مسارات متاحة لحل قضية خور عبد الله

اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله

سبتمبر 10, 2025 - 12:27
 0
مسارات متاحة لحل قضية خور عبد الله

محمد حسن الساعدي

تُعد أزمة خور عبد الله واحدة من أكثر الملفات حساسية في العلاقات العراقية–الكويتية، لما تحمله من أبعاد قانونية وسيادية واقتصادية، فضلاً عن خلفيتها التاريخية المرتبطة بمرحلة ما بعد الغزو الصدامي للكويت عام 1990. ومع أن العلاقات بين البلدين شهدت تقدماً ملحوظاً خلال العقدين الماضيين، إلا أن هذه الأزمة جاءت لتختبر مدى قوة الروابط السياسية والدبلوماسية بين بغداد والكويت.

جذور الأزمة التاريخية

يمكن القول إن جذور الأزمة تعود إلى عام 2012 حين وقع العراق والكويت اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، وهو ممر مائي يفصل جزيرة بوبيان الكويتية عن شبه جزيرة الفاو العراقية، ويعتبر المنفذ البحري الرئيسي للعراق نحو الخليج. وقد جاءت الاتفاقية ضمن التزامات العراق أمام مجلس الأمن، استناداً إلى قرار رقم 833 لسنة 1993 الذي رسم الحدود البرية والبحرية بين البلدين بعد حرب الخليج الثانية.

غير أن المحكمة الاتحادية العليا في العراق أصدرت في سبتمبر 2023 قرارًا بإلغاء قانون التصديق على الاتفاقية، معتبرة أن المصادقة عليها لم تتم وفق الإجراءات الدستورية الصحيحة. هذا القرار أثار استياءً كويتياً رسمياً، واعتبرته الكويت إخلالاً باتفاق ملزم دولياً.

التداعيات السياسية والانتخابية

أثار قرار المحكمة العليا التي قضت بعدم دستورية القانون لعدم توفر أغلبية الثلثين اللازمة للتصديق على الاتفاقيات الدولية جدلاً حول التزامات العراق الدستورية والدولية وحقوقه البحرية في الخليج. الاتفاقية التي تم توقيعها في عام 2012 وصادق عليها البرلمان العراقي عام 2013 بموجب القانون رقم 42، كانت تهدف إلى تنظيم الملاحة في خور عبد الله.

في المقابل، اعتبر مستشارو رئيس الوزراء أن القرار جزء من حملة انتخابية مبكرة، إذ يواجه رئيس الوزراء انتقادات بسبب رد فعله على معاهدة خور عبد الله الملغاة مع الكويت، فيما تصريحات حلفائه تؤكد أن رد الفعل العنيف مدفوع بالانتخابات.

العودة إلى التوتر

أول تداعيات الأزمة تمثلت في عودة الخطاب الحاد بين الجانبين بعد سنوات من التهدئة والتعاون. شهدت البيانات الرسمية الكويتية نبرة اعتراض واضحة، بينما حاول العراق التخفيف من حدة الموقف بالتأكيد على التزامه بحل الخلافات بالطرق السلمية. هذه العودة إلى التوتر فتحت الباب أمام الشكوك المتبادلة، خاصة في ظل التاريخ المعقد للعلاقات بين البلدين، كما هو الحال على المستوى الإقليمي، إذ باتت الأزمة ملفاً تراقبه عن كثب الشركاء الخليجيون والدوليون. أي تدهور في العلاقات العراقية–الكويتية يمكن أن ينعكس على مشاريع التعاون في الخليج، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية الأوسع.

التحديات القانونية والسيادية

إن رفض المحكمة الاتحادية العليا لاتفاقية الملاحة يعني ضرورة إعادتها إلى البرلمان للتصويت عليها. المحكمة ألغت مادة واحدة فقط، والمواد المتبقية لا تزال سارية المفعول. وقرارها نهائي وملزم، وعدم تنفيذه يعد انتهاكاً دستورياً وقد يكون له عواقب بعيدة المدى على سيادة العراق في الخليج.

عدم امتلاك العراق منطقة اقتصادية خالصة معترف بها رسمياً بسبب تداخل المياه وعدم وجود مطالبة رسمية يحد من حقوقه في صيد الأسماك واستكشاف الطاقة البحرية والاستثمار في البنية التحتية البحرية. أي إجراء لمزيد من المفاوضات بعد العلامة 162 قد يقوض سيادة العراق ويؤثر على الوصول إلى البنية التحتية مثل ميناء الفاو الكبير.

الاتفاقية التي نُظمت بموجبها الملاحة في خور عبد الله كانت جزءاً من التزامات العراق الدولية، وإلغاء التصديق عليها يفتح نقاشاً قانونياً حول احترام الاتفاقات المبرمة. من منظور القانون الدولي، فإن انسحاب أو تعديل أي اتفاقية حدودية يتطلب موافقة الطرفين وإجراءات دولية معقدة، وهو ما قد يعرض العراق لضغوط أممية أو دعاوى دولية إذا لم يتم التوصل إلى صيغة جديدة.

المسارات المتاحة للحل

العراق يحتاج إلى استراتيجية واضحة تجمع بين التدابير القانونية والمفاوضات والمشاركة الدولية للدفاع عن مصالحه البحرية وتجنب المزيد من التداعيات السياسية.

على الرغم من حدة الأزمة، هناك مسارات متاحة لتفكيكها:

  • العودة إلى طاولة المفاوضات عبر اللجان الفنية المشتركة.

  • الاستعانة بوساطة إقليمية أو أممية لتحديد آليات الملاحة وترسيم الحدود البحرية بدقة أكبر.

نجاح هذه الجهود لن يقتصر على حل الخلاف الحالي، بل سيؤسس لمرحلة جديدة من التعاون القائم على الثقة والمصالح المشتركة بين بغداد والكويت، بما يعزز الأمن البحري والاستقرار الإقليمي.

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0