واشنطن وتل أبيب..تحالف الفوضى في الشرق الأوسط
الحملة العسكرية التي بدأتها إسرائيل ضد إيران منذ فجر أمس المصادف 13 حزيران 2025، أفرزت استقطابات سياسية حادة في المواقف ودفعت الأطراف المختلفة إلى الت

بقلم: سمير عادل
تمهيد: حرب بالوكالة أم مشروع لإعادة الهيمنة؟
منذ فجر يوم 13 حزيران 2025، أطلقت إسرائيل حملة عسكرية ضد إيران تحت شعار "الدفاع عن وجود إسرائيل" بتحييد القدرات النووية والبالستية الإيرانية. إلا أن خلف هذا العنوان تختبئ أجندات أعمق، تسعى لإعادة رسم توازنات القوة في المنطقة وإعادة التموضع الأمريكي عبر البوابة الإسرائيلية، في سياق متصاعد من التحالفات والنزاعات الإقليمية والدولية.
إسرائيل... تسويق للقوة الإقليمية عبر بوابة الحرب
تحاول إسرائيل استثمار نتائج عملية 7 أكتوبر 2023 وما تبعها من عدوان على غزة لتثبيت موقعها كقوة إقليمية مهيمنة. وتقدم نفسها كشريك لا غنى عنه في المعادلات الأمنية والسياسية للمنطقة، متجاوزة أوهام بعض المراقبين الذين ظنوا أن تحالفات الولايات المتحدة الجديدة مع تركيا ودول الخليج قد تعني التخلي عنها.
واشنطن وتل أبيب... تحالف عضوي لا انفصام فيه
تاريخياً، إسرائيل ليست مجرد حليف للولايات المتحدة، بل حلقة محورية في استراتيجيتها الشرق أوسطية. فإسرائيل نشأت كامتداد للمشروع الاستعماري الغربي، ونظامها "الديمقراطي" يمثّل النموذج الغربي في المنطقة. ولهذا فإن العلاقة بين الطرفين تتجاوز التحالف التقليدي إلى علاقة تكامل استراتيجي أمني وعسكري واقتصادي وتقني.
وتبرز نزعتان تعززان هذا الارتباط:
-
إسرائيل ضرورة استراتيجية لمواجهة النزعات القومية والإسلامية المعادية للغرب في المنطقة.
-
لا توجد دولة بديلة يمكن أن تلعب هذا الدور "الخطير" الذي تمثله إسرائيل في العقل الاستراتيجي الأمريكي.
تركيا... طموحات إقليمية محدودة بحدود الجغرافيا
تركيا، رغم سعيها لتوسيع نفوذها إلى إفريقيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق، وتبنّيها سياسة خارجية نشطة (كشراء منظومة إس-400 الروسية واتخاذ مواقف متوازنة من الحرب الأوكرانية)، إلا أنها لا تستطيع أن تحل محل إسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية، نظراً لاختلاف الأدوار والتموضع الجيوسياسي.
إيران... العائق الأكبر أمام تمدد إسرائيل
في عمق هذه الحملة، تستهدف إسرائيل النظام السياسي في إيران، ليس فقط لتحييد تهديداته، بل لأنه يشكل الحاجز الاستراتيجي أمام مشروع الهيمنة الإسرائيلية. وإيران هي أيضاً منصة صلبة للنفوذ الروسي والصيني، باستثمارات تقدر بنحو 500 مليار دولار، ما يجعل ضرب المنشآت الإيرانية – مثل محيط حقل بارشين الغازي – رسالة مزدوجة إلى موسكو وبكين.
غياب روسي وصيني... وانشغال بصراعات كبرى
عدم تدخل روسيا يعود إلى انغماسها في الحرب الأوكرانية، أما الصين فهي منشغلة بتصاعد الصراع مع واشنطن حول تايوان والاقتصاد العالمي. ومع هذا الفراغ، بدأت قوى إقليمية أخرى كتركيا وباكستان تُظهر مواقف إعلامية أو سياسية في هذا الصراع، محاولة حجز مقعد على طاولة إعادة التوازنات.
صراع النفوذ... باكستان وتركيا في مرمى النيران
-
باكستان: تسعى لابتزاز واشنطن من خلال الدخول غير المباشر في الصراع، لتحسين موقعها مقابل الهند.
-
تركيا: ترى أن انتصار إسرائيل أو سقوط النظام الإيراني يضعف موقعها الاستراتيجي ويهدد استقرارها الداخلي، خصوصاً مع عودة المسألة الكردية للواجهة، بعد إعلان حزب "بيجاك" استقلال كردستان إيران مستغلاً ظروف الحرب.
إسرائيل وسيناريو انهيار النظام الإيراني
لا تخفي إسرائيل رغبتها في سقوط النظام الإيراني، بل تعبّر عن ذلك بوضوح كما ورد في خطابي نتنياهو منذ بدء الحملة العسكرية. إلا أن هذا السيناريو يضع طهران أمام خيارين أحلاهما مر:
-
التنازل المهين على طريقة "تجرّع السم" كما فعل الخميني في نهاية الحرب العراقية الإيرانية.
-
المواجهة الشاملة التي لا تملك إيران القدرة على خوضها، خاصة إذا دخلت واشنطن ولندن وباريس على خط المواجهة المباشرة.
ترامب والتصريحات الفارغة
تصريحات ترامب عن قدرته على وقف الحرب بين إسرائيل وإيران – كما "أوقف" التوتر بين الهند وباكستان – ليست سوى هراء سياسي، تُضاف إلى سلسلة من وعوده غير المحققة في غزة وأوكرانيا.
درس العراق... هل البديل أفضل؟
ما جرى في العراق بعد الغزو الأمريكي لا يُقارن بما قد ينتج عن سقوط النظام الإيراني. فالفوضى الإقليمية ستكون عميقة، والانهيار قد يفتح الباب لانخراط دول إضافية في الحرب. والأخطر من ذلك، هو سحق الحركات المدنية والنقابية وحقوق النساء والعمال، في العراق وإيران معًا، تحت أقدام الحرب والفوضى.
رفض مزدوج للاستبداد والبدائل الغربية
النظام الإيراني ديكتاتوري قمعي، معادٍ للحرية، قوامه الإعدامات والتفرقة والهيمنة القومية باسم أيديولوجيا رجعية. لكن، في ذات الوقت، فإن بديله المحتمل الذي تسعى واشنطن وتل أبيب إلى فرضه قد لا يكون أفضل.
فالدمار الذي زرعته الولايات المتحدة في العراق ما زالت آثاره قائمة. فكيف يمكن أن نقبل ببديل تفرضه دولة قتلت أكثر من 20 ألف طفل في غزة، ورئيس وزرائها مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية؟ هل هذا هو النموذج الذي يُفترض أن يُلهِم جماهير إيران التي ضحّت بآلاف الأرواح من أجل حياة كريمة وحرة؟
بين نارين... وشعب يدفع الثمن
في ظل تحالف الفوضى بين واشنطن وتل أبيب، تتصاعد المخاطر لا على الأنظمة فقط، بل على الشعوب الطامحة للحرية. إن رفضنا للنظام الإيراني لا يعني القبول بحرب تقودها إسرائيل وأمريكا، فالفوضى ليست بديلاً للتحرر، ولا الاحتلال طريقاً نحو العدالة. إن المنطقة برمتها على شفا الهاوية، والمطلوب هو موقف مستقل، إنساني، تقدمي، يرفض الاستبداد كما يرفض الإمبريالية، ويؤمن بالحرية الحقيقية لا بالحلول المفروضة بالنار والحديد.
ما هو رد فعلك؟






