الاقتصاد العراقي على حافة البحر
العراقيون يحلمون بمنفذٍ بحريٍ كبير يجعلهم في قلب التجارة العالمية

محمد النصراوي
منذ عقود، والعراقيون يحلمون بمنفذٍ بحريٍ كبير يجعلهم في قلب التجارة العالمية، حلمٌ ظل حبيس التصريحات الحكومية وخطط الورق، إلى أن بدأت مؤخرًا ملامح مشروع "طريق التنمية" ترتسم، متخذةً من ميناء الفاو الكبير نقطة انطلاق في محاولة لتحويل العراق من ممر أزماتٍ إلى ممرٍ تجاري يربط الخليج بتركيا وأوروبا.
لكن السؤال يظل قائمًا: هل نحن أمام نقلةٍ اقتصاديةٍ حقيقية؟ أم أن المشروع سيُضاف إلى قائمة المشاريع المؤجلة التي تسكن الذاكرة أكثر مما تسكن أرض الواقع؟
"طريق التنمية"، كما تسميه الحكومة العراقية، هو مشروعٌ طموح يهدف إلى إنشاء شبكة نقل عملاقة تنطلق من ميناء الفاو في أقصى الجنوب، وتمر عبر طرق وسكك حديد لتصل إلى الحدود التركية، ومنها إلى أوروبا.
الهدف المعلن هو أن يصبح العراق بديلًا بريًا لقناة السويس في حركة البضائع، وهو أمر، لو تحقق، سيغيّر موقع العراق الجغرافي من نقطة توتر إلى نقطة ربط، ومن عبء اقتصادي إلى محور عبور استراتيجي.
الفوائد الاقتصادية المتوقعة هائلة:
-
آلاف فرص العمل
-
تنشيط قطاعات النقل والتصنيع
-
تحفيز السوق الداخلية
-
تحويل مدن عراقية إلى مراكز لوجستية وتجارية
ويمثل المشروع أيضًا فرصة نادرة للعراق لتقليل اعتماده على النفط والدخول في دورة اقتصادية أوسع تعتمد على عبور البضائع والخدمات.
لكن الواقع لا يخلو من التحديات، فـالخطط شيء والتنفيذ شيء آخر. المشروع يواجه عقبات تقنية ومالية وإدارية، وسط شكوك شعبية وسياسية حول الجدية في التنفيذ، خاصةً في ظل تاريخ طويل من المشاريع المتلكئة والفساد المستشري.
التخوف الأكبر أن يتحول "طريق التنمية" إلى "طريق التأجيل"، ما لم تكن هناك إرادة سياسية صارمة وشفافية مطلقة في التنفيذ.
كما أن العامل الجغرافي يلقي بظلاله على المشروع، إذ إن نجاح العراق في جذب حركة التجارة يهدد مصالح دول مجاورة تمتلك موانئ عملاقة واستثمارات ضخمة، فهل سيسمح للعراق فعلًا بأن يصبح نقطة نقل إقليمية؟ أم أن الضغوط الإقليمية والدولية ستُمارس من تحت الطاولة لإجهاض الحلم قبل ولادته؟
في ذات الوقت، فإن استقطاب الصين عبر مبادرة "الحزام والطريق" قد يمنح المشروع دفعة قوية، لكنه قد يفتح أبوابًا جديدة من الاصطفافات الدولية المعقدة.
اليوم، يقف ميناء الفاو عند مفترق طرق:
إما أن يكون بوابة العراق إلى المستقبل،
أو أن يبقى شاهدًا جديدًا على مشروع عملاق لم يكتمل.
ما يحتاجه العراق ليس فقط رصيفًا في البحر، بل:
-
إرادة سياسية صلبة
-
إدارة خالية من الفساد
-
رقابة مجتمعية مستمرة
تضمن أن لا يُهدر حلمٌ آخر تحت طائلة الشعارات.
فهل سيعبر طريق التنمية نحو الحقيقة؟
أم سنبقى نقرأ عنه كما قرأنا عن مشاريع وُلدت ميتة؟
هذا ما ستكشفه الأشهر المقبلة.
#طريق_التنمية
ما هو رد فعلك؟






