قمة بغداد: حضور باهت وتجاهل لغزة... لماذا خالفت القمة العربية التوقعات؟
في ظل ظروف إقليمية معقّدة وتحديات غير مسبوقة، عُقدت القمة العربية الأخيرة في بغداد بحضور محدود من الزعماء العرب، وغياب لافت لأغلب قادة الخليج والمغرب

حضور متواضع ورسائل غياب واضحة
رغم انعقادها في لحظة إقليمية حرجة، شهدت قمة بغداد حضورًا متواضعًا اقتصر على ستة رؤساء فقط، إلى جانب عدد من رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية. غياب كبار القادة العرب وخصوصًا من دول الخليج بعث برسالة سياسية واضحة: العراق ليس بعد في موقع الإجماع العربي، والقمة لا تُعبّر عن أولويات أغلب الدول العربية في الوقت الراهن.
الغياب الخليجي... ضغط سياسي أم توتر مكتوم؟
يرى مراقبون أن غياب شخصيات بارزة من دول الخليج يأتي في سياق ضغوط تمارسها هذه الدول على بغداد، في ملفات تتعلق بالنزاع الحدودي مع الكويت في خور عبد الله، وبطء التفاهمات حول ترسيم الحدود وتنظيم الملاحة البحرية.
كما أن قانون تجريم التطبيع الذي أقره البرلمان العراقي يضع بغداد على طرف نقيض من توجهات بعض الدول العربية التي اختارت الانفتاح على "إسرائيل"، وهو ما يزيد من فجوة الخلاف.
تعارض الأولويات... هل تخلّى العرب عن فلسطين؟
تزامن انعقاد القمة مع استمرار المجازر في غزة، لكنه لم يثمر عن قرارات ملموسة تجاه دعم الشعب الفلسطيني، ما عزّز الانطباع بأن القضية الفلسطينية لم تعد على رأس أولويات الزعماء العرب.
وفقًا لمحللين، هناك تبدّل في البوصلة السياسية للدول العربية، التي باتت تركز على المصالح الاقتصادية والاستقرار الداخلي أكثر من الالتزامات القومية التقليدية. وتبدو بغداد، رغم رفضها للتطبيع، معزولة في خطابها، ما يضعف فاعليتها في التأثير داخل الجامعة العربية.
الجامعة العربية وأزمة غزة: تقاعس متكرر
رغم أن اتفاقية الدفاع العربي المشترك تنص على اعتبار أي اعتداء على دولة عربية اعتداءً على جميع الأعضاء، لم تُتخذ أي خطوات عملية تجاه وقف الحرب في غزة خلال أكثر من عشرين شهرًا من القصف الإسرائيلي المستمر.
الخبير المصري في القانون الدولي، محمد محمود مهران، شدّد في تصريحات لـ روسيا اليوم على ضرورة اتخاذ قرارات ملزمة وفورية لحماية الفلسطينيين، ومنع تهجيرهم القسري، وتفعيل أدوات الرد العربي سواء الاقتصادية أو القانونية.
وأكد أن التهجير القسري يعد جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، حسب نظام روما الأساسي، وهو ما يحمّل الدول العربية مسؤولية قانونية وأخلاقية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، إلا أن الرد الرسمي العربي لا يزال دون الحد الأدنى، في ظل انقسام المواقف وغياب الإرادة الجماعية.
الشعوب تترقب... والقيادة غائبة
ردود فعل الشعوب العربية، خصوصًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عبّرت عن خيبة أمل واسعة من مخرجات القمة، واعتبر كثيرون أن القادة العرب باتوا يتعاملون مع فلسطين كعبء سياسي وليس كقضية مصيرية.
وقال الخبير الأردني عبدالله عبدالله في تصريح لـ العربي الجديد إن القمة فشلت في تفعيل الآليات القانونية المتاحة لمنع التهجير في غزة، مشيرًا إلى أن الجامعة العربية أصبحت أقرب إلى منبر رمزي منها إلى قوة فاعلة.
قمة بلا روح... وسؤال مفتوح
لماذا جاءت قمة بغداد خلافًا للتوقعات؟ الإجابة تكمن في تشابك الخلافات العربية، والتباين العميق في الرؤى حول الأولويات الإقليمية. وبينما كانت الأنظار تتجه إلى بغداد أملاً في موقف حازم تجاه غزة، جاءت القمة لتُظهر هشاشة الموقف العربي وتباعد الصفوف.
وبينما يغيب القادة، وتتآكل المبادئ، يبقى السؤال معلقًا: هل ما زالت الجامعة العربية تمثّل تطلعات الشعوب، أم باتت مرآة للواقع العربي المنقسم؟
ما هو رد فعلك؟






