حين اندلقت أمعاء رجل كان في الجوار.. قراءة في مآلات المواجهة مع إيران
قائمة طويلة من التجارب مرّت علينا، كل واحدة منها كانت كفيلة بأن تترك درسًا ينبغي تذكّره

بقلم: هادي جلو مرعي
تجارب الماضي.. وذاكرة المفاعل
قائمة طويلة من التجارب مرّت علينا، كل واحدة منها كانت كفيلة بأن تترك درسًا ينبغي تذكّره. من بينها الهجوم الجوي الإسرائيلي على مفاعل تموز النووي العراقي في مطلع الثمانينيات، عندما اندلقت أمعاء رجل كان في الجوار جنوب بغداد دون أن يفقد حياته. أُسعف ونُقل إلى المستشفى، وعاش بعدها سنوات.
ذلك الحدث كان كفيلاً بإجهاض المشروع النووي العراقي، حيث تخلّى صدام حسين عن الفكرة، وبقي المفاعل شاخصًا تحيط به السواتر الترابية، فيما لُوِّثت بعض المناطق المحيطة به. وفي عام 2003، قيل إن مواطنين نهبوا محتوياته رغم كونها ملوثة إشعاعيًا.
من شعارات فلسطين إلى الابتسامة في وجه البيت الأبيض
في تلك المرحلة، كان صدام حسين وزعماء عرب كُثر يتحدثون عن فلسطين كقضية العرب الأولى، وعن إسرائيل كعدو الأمة. لكن تلك الشعارات سقطت مع تغيّر الوجوه، وبقي الذين اعتادوا الابتسام في وجه كل رئيس أمريكي، وورّثوا تلك الابتسامة لكل زعيم يُطلب منه التطبيع مع إسرائيل، كي تبقى في الصدارة وتحظى بالحماية الدولية.
إسرائيل ليست مجرد دولة في المنطقة، بل مشروع غربي عميق الجذور، هدفه التخلص من "العبء اليهودي" في أوروبا عبر تأسيس كيان قومي بعيد عن القارة العجوز، لكن قريب من مصالحها الاستراتيجية.
قبل الاحتلال الأمريكي.. إشارات لا تُخطئ
في أواخر ديسمبر 2002، وبدايات عام 2003، كانت صور حاملات الطائرات الأمريكية المتوجهة نحو الخليج تُسيطر على بث ثلاث قنوات فقط كنا نتابعها: ANN، الجزيرة، والعربية. كان العقل في حالة ذهول من مشهد التقدم العسكري، فيما بغداد تتحدث عن "الصمود"، وأطفال المدارس يهتفون بحب القائد، بينما جنود المارينز يزرعون أجهزة مراقبة في الصحراء.
كان الشعب يعيش حالة إنكار رغم اقتراب النهاية، يصدق التصريحات الرسمية، ويكذّب الواقع.
النووي الإيراني.. لحظة الاقتراب من السيناريو العراقي؟
زار مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، طهران مؤخرًا، فقوبل بالتشكيك من الإيرانيين. تصريحات ترامب السابقة عن احتمال فشل المفاوضات كانت كافية لبناء قاعدة اشتباك جديدة، ووكالة الطاقة الذرية صوّتت بأن سلوك طهران في التخصيب النووي يشكل تهديدًا.
الإسرائيليون باتوا يملكون "الذريعة القانونية"، والغرب جاهز لتوفير الغطاء السياسي، فيما أعلنت واشنطن أنها لن تشارك في الهجوم، لكنها ستدافع عن إسرائيل.
السيناريو القادم: مواجهة إسرائيلية-إيرانية بضمانة أمريكية
القيادات الخليجية رتبت الموقف مسبقًا، ونأت بنفسها عن المواجهة، لتبقى الضربة في إطارها الإسرائيلي-الإيراني. التوقعات تشير إلى أن إيران لن ترد على المصالح الأمريكية أو الخليجية طالما لم تكن طرفًا مباشرًا.
هكذا تُرسم الحرب المقبلة: مواجهة بالوكالة، تُختبر فيها قوة إيران، وتُحاصر دون أن تُستفز القوى الكبرى بشكل مباشر.
الانتظار في زمن المفاجآت
كل شيء جاهز: الذرائع، المواقف، التصريحات، وحتى التبريرات الأخلاقية. الأيام المقبلة قد تشهد تطورات خطيرة، لكن كما اعتدنا في هذا الجزء من العالم، لا شيء يحدث فجأة… بل يحدث ونحن ننتظر.
ما هو رد فعلك؟






