الشاعر عمر السراي.. أخيراً أنا وحيد رغم وجودك

عين نيوز

أبريل 29, 2019 - 13:10
 0
الشاعر عمر السراي.. أخيراً أنا وحيد رغم وجودك
بدون وصف


ناجح المعموري

الاعتراف أكثر قسوة لحظة أن يصل الكائن الى نوع من الإحساس بإنهيار الكلام ، وغياب اللسان ، المعطل طويلاً . هو فلسفة الاعتراف الممض، يثلم حقيقة الكائن ويدمره إذا استمر كثيراً. أو كان خاضعاً للأنية ، هذا ما قاله المفكر آلان باديو في كتابه "مديح الحب" وانتاج سرديات يتسيد فيها الحب ويكون حضوره فعلاً وأجمل السرديات التي يقولها الجسد ، هي طاقة الحواس التي تسرع لاكتشاف اللحظات الثابتة وايقاظها وتحقيق استجابة ، تخلق نوعاً من فقدان التوازن ، والتعبير عن الدهشة ، خصوصاً تلك التي احترمت السرديات ، وحصراً المواظفة للشعر .

في الحب ، دائماً ما يكون التعرّف طاقة للكائن . وكاشف عن ما يشبه الاختلال لحظة الاندهاش . والحنين لمعاودة تفعيل الحواس التي تحوز قيمة متسامية . عندما يتعمق تعرفها على الآخر الذي دائماً ما يكون هو الأسرع للاعلان عن التوتر ، لأن الأنثى هي سيدة الخبرات والمعارف ، في كيفية الحكي ومنحه تلاوين ، تجعله راعشاً ، لأن المتغيرات التي تصل مبثوثة كالشفرات ، رسالة الجسد ، من خلال سردياته التي ازداد تراكمها منذ زمن الابتداء الأول في السرد ، الذي تم اكتشافه من قبل الأنثى وتحصنت به وصارت ممتلكة لكل مفاتيحه التي تأخذها نحو مديح الحب / الجسد والاهداء نص سردي بغض النظر عن الطريقة التي كتب بها ، وأكثر الطرق إثارة والتباساً لما يشبه الجنون ، هو التوسل بالصورة من أجل الوصول إليه . حتى يحوز بلاغته ، تأثيره الصادم ، المحفز ويحصد فوران شعرية فيها غموض شفيف ، مثل الذي بثه إلينا الشاعر عمر السراي بكل اتزان وهدوء . غير ممانع عن الاعتراف ، لأنه تعرف ، هذه لحظة الكائن وفلسفته بالتجاور مع كينونته .
كلما تركز الاستهلال ، فاض بمعانيه ، ويأخذ صوت الشاعر شذرة حاضرة ، ملتمعة ، لتعلن بأن الحب ليس حضوراً فقط ، بل هو باق متداول لمن عرفه أو سيعرفه سابقاً " أخيراً وحيد رغم وجودك " لم يعد الشاعر محتملاً العزلة التي عرفها وعانى منها ، لذا اندفع أن يعترف ، وفلسفة الاعتراف بزمن تعطل فيه الحب قاسية ، وضحيتها المذكر . حتى وإن كانت مؤقتة . لكني اعتقد بانها ليست كذلك ، لأن الإعلان مرارة وتورط وانهيار العلاقة الثنائية بين الاثنين اللذين فقدا طريقة الاحساس بالجسد الآخر عبر نبضه . والمثير في نص الاستهلال المركز جداً ، والمتوتر بغموض لين ، يستجيب للانكشاف لاحقاً . مصرح به من قبل الكائن . هنا الالتباس والفقدان ، فالثقافة الموروثة تخدش وتثير الكائن ، والآخر مستكين ، صامت ، ارتضى غياب رسالته البدئية في حيازة الروي والحكي .
فلسفة العزلة موجودة ، ليست غريبة ومثيرة للفزع ، لأن للجسد فلسفات كثيرة حتى تقوى على التعرف والفهم والارسال ، حتى تغيب الفاصلة الساخنة والباردة في المكان . فالأخر الموجود صامتاً معبراً عن توقف سردياته البدئية . إعلان عن حضور صمت بارد والشاعر ظل بانتظار حلول لسان ساخن للاشتباك وامتحان التبادل الثنائي والتواصل الغريب واللامعقول . لأن الجسد وحده الذي اختبر كل ما في محيطه وتوصل لآليات الدنو المرتجف ، الراعش ، ويبث رسائله السردية . التبادل لا ينضب ، لأن خزان الجسد يفيض به ، والتواصل نجاة وسلام . الشاعر هو الذي قال أقسى ما لم يعرفه من قبل . انفجر بعد انتظار طويل وبحماس قال : أخيراً أنا وحيد رغم وجودك ....
العزلة مهيمنة وقاسية ، كشفها القول وصرح بوجود عازل قوي بين الاثنين . لأن الجسد حاضر ، جسد المؤنث والمذكر ، لكنهما تجاوزاً سلاحهما ، في غفلة البدئيات التي مجّدت الصوت / الكلام . واتسعت بينهما
سرديات باردة وغابت إرادة الجسد المتوترة . عطّلت الذكورة السباحة في فضاء البلل ، ونامت كسلاً إرادة الاشتداد والسخونة ، التي قال بها ليفي شتراوس ، وامتلكت الإرادة الباردة والصامتة . إنه مثيل للموت فعندما يفقد الجسد طاقته على مديح الآخر ، يتعطل ، تفلت منه تلك الوظيفة . وسردية الاهداء قالت كل شيء ، هو شعر وفلسفة ، الذي تحدث عنه كثيراً آلان باديو . لديه آليات المديح ، ولكثرتها يندهش الكائن ويفقد توازنه ويتخندق راضياً بالسهو ، أو العطل قاد الجفاء . خارج فسحة الجفاف ، والذهاب نحو الترطيب المحتمل عبر السكون . غيب الصمت الجسد ، وكرست العزلة مسافة نسيان اللسان ، الذي كرسته الذاكرة ، وحازت عليه منذ زمن الروي والقص . المعني بالحلم البدئي الذي أشار له لاكان وتعامل معه بوصفه لحظة الطفولة البكرية التي كانت وستظل باقية للأزل . من أجل فتح منافذ التشارك ، لأن الحلم يخسر كنيته عند غياب النفاذ وصمت المرويات ، تكتم واقفال على الخزان الذي نعرفه ولم نره . خزان مرويات تاريخ ، مهّد للعلاقة بين الاثنين ، حيث تحوّلت مسموعات لمتع الليل بين الاثنين . كمنت مسموعات الأنا في ذاكرته ، التي كان لها فعل ، واضح وبارز في صوغ وانتاجه تخيلات الأنا ، وكيف رأت كينونتها . وما حصل فيها من تغيرات " أخيراً أنا وحيد رغم وجودك ..."
لم يقل الشاعر عمر السراي بالاستهلال الخاص لسردياته الغنائية في الديوان . ويوقظ متراكمات الخزان الخاص بالذاكرة ، لان ارادة الشعر قوية ، قابلة في أحيان كثيرة بوجودها في نص الغناء ، كي تتراجع قليلاً ، ويعاد العزف على صوت صامت ، هو الآخر المتلقي . إنه الشاعر الذاهب من أجل تأكيد أناه وتشكيل ذاته ، وتشيد سردية قادرة على احتضان العالم الذي ساعدنا الشاعر على معرفته وما يقوله الشعر عن الذات . لكنه وصل إلينا ، وكأنه قصد ايصاله حتى نتشارك بالسردية المركزة والعميقة . والتي استدعت معها كم كثير من تواريخ وأزمنة ، لكل فيها حكاياته ومروياته . هذه التمظهرات وببساطتها وليونتها المضبوطة بالحب والاشتعال ، الذي ذهب ليخلق كينونات جديدة للأحلام ، لعله يتجاوز عتبة طارئة ، تبدو ضاغطة ، ومهددة ، لأن الكائن / الأنا ، اضطر الاعتراف ، وهذا أمر معقد / وصعب ، يؤمي لانتكاسة قوية . وكشف الاهداء عن وجود رغبة واضحة وصريحة ، لمحاولة جدية لتجاوز هذا الإشكال والذهاب نحو حقيقة الحب ، والعمل على استعادته . والسؤال الذي يتبادر للذهن لحظة التلقي الآن ، الجديدة ، هو إن الكائن ضعيف غير محمل بتاريخ ذاتي للحب ، ولا يدرك الانتكاسات التي تستولدها التجارب ، يبدو لي بأنه ــ الكائن ــ لا يختلف عن الفلاسفة الذي لم يتعرفوا على الحب ولم تتشكل لديهم تجربة . ويزدحم تاريخ الفلسفة بحكايات رومانسية لعديد من الفلاسفة ، لم تحقق لهم نجاحاً ، بل أثارت وساوس وقلقاً وفزعاً والدوال على ذلك ، اسماء بارزة جداً مثل سارتر ، وكامو وشوبنهور ، وكير كيجارد الذي تعامل مع الحب بطريقة الاغتيال ، أما كامو فهو الآخر خضع للجانب الاخلاقي ، للعلاقة الرومانسية ، ومثال ذلك علاقته مع سيمون دي بوفوار التي صرحت له بحبها ، واعتذر لأنها صديقة سارتر . هذا هو موقفه قبل الاختلاف معه . لكنها ــ دي سيمون دي بوفوار ــ هرعت الى غرفته في المشرحة بعد حادثة الدهس وكشفت دثاره وأرادات النوم معه ، لولا السيدة المشرفة على جثته ، والسرديات كثيرة ، صادمة ، عنيفة وأفادتني التماعة سارترية مهمة للاستفادة منها ، وهذا لا يعني بأن عمر السراي متماثل معه ، لكنه متشارك في حدود وعي الحب ثقافياً وهي إن لحظة يتوفر فيها الحب يعني بأن وجودنا مبرر تماماً ، يتحول الكائن / الى عاشق ، محبوب وهذا يؤكد بأنه غير مطرود من فضاء الحب ولم يكن في الخارج . أنا توصلت الى ما يمكن أن نطلق عليه النصيحة ، لأن عمر السراي ، متروك ، مطرود ، متورط ، يحتاج الى وسيلة انقاذ وأفضل ما اقترحه لهذا العاشق هو أن يختبئ وسط حفرة هي بديلة للأنثى ، التي شاركته ما عاشه الشاعر تمثيلاً لغربة بايتسوس في نصوصه الايروتيكا . الشاعر عمر السراي ، يعرف ولديه خبرة عميقة ، رومانسية في ظاهرها قاتلة ، مقلقة بعطلها ، لكنها ــ أيضاً ـــ تدرك بأن الحياة الخالية من الحب بائسة .
قاد الاهداء المثير " أخيراً وحيد رغم وجودك ..." هذه الهو / الأنثى هي التي صاغت دراما الحضور السردي للشعر . وحقق عمر نجاحاً واجتذب المتلقي / القارئ ، ويبدو لي بأن الاهداء من مهارات الشاعر ومخبوءات ستقود القارئ نحو نصوصه ، وسيكون للأنثى المهدى لها الشعر ، دور ضاغط وحتمي لإقامة امتداد يكون الحضور فيه للشعر ، أكثر مما تكون الأنثى . وعبر الشعر نجح عمر السراي في تحصين الذات من الخذلان الذي ركس فيه ، وأشبعه وهماً ، لأنه وكما اتضح في نصوصه الكثيرة وجود أوهام أنقذها الشعر وجعلها سرديات غنائية . ستمجدها الحياة وستكون أكثر جمالاً وتوقاً لما يحتاجه الكائن مع الآخر / الانثى
ذهبت طويلاً مع اهداء مركز جداً ، سرد عميق الدلالة لأنه أخذني ــ مثلما معروف عني ــ للحب والعشق والفلسفة اعتنت كثيراً بالحب ، واشهر الفلاسفة لهم سرديات كبرى ، ليس هذا فقط ، بل لانه ــ الحب أو الرغبة ــ تأخذني نحو الميثولوجيا ، وطقوس الجنس المقدس ، ويفتح لي الجسد كثيراً من المنافذ لتعميق القراءة وفتح مجالات التأويل ، لذا سأستمر قليلاً لتبيان بعضاً من ثقافتي عن الجسد ، الحب / العشق / الرغبة / وجدت في الاهداء نوعاً من الشتيمة لعشق غائب ، وفاقد طاقته الأرضية .فالأرض أهم العناصر الرمزية الكامنة في مرويات الجسد الأنثوي . وتمظهرت الشتيمة لي ، مساحة الفراغ التي تبدّى عنها الاهداء
غزا رماد الزمن العلاقة ، والمرويات تعطلت ، صمتت شهرزاد عن حكاياتها ، وشهريار بكبريائه ، مثيراً للأسى ، وهيمن الخلق وسط الفراغ بينهما .... وفي مثل هذه التجربة لم يكن للحرية حضور ، حرية الأنثى أو الزوج ولم يكن أحدهما محكوماً بحنين لحريته حتى يخضع لطاقة الارتباط . والتقطت تمثيلاً للزوجين في مقولة مشهورة للفيلسوف " مونتاني " أحد فلاسفة الحب : " إنه كان هو ولأنني كنت أنا " وهذا الرأي مثير أكثر ، لأنه كشاف ساطع للعناصر التي صاغت شخصية كل منهما .
لا أدري كيف انزلق الشاعر عمر السراي ، وهي متميز بحساسيته الآدمية ، واغفل ما يتمظهر عن الحب . واذكر بمقولة مونتاني : الحساسة " إذا لم يكن الحب عنيفاً ، فذلك ضد طبيعته ، وإذا كان العنف ثابتاً فذلك ضد طبيعة العنف "
وأخيراً اختتم هذا المقال برأي للمفكر موريس ميرلو ــ بونتيني ــ من الواقع ، لا توجد متعة تنبع من الجسد وحده ، من دون ان تبحث خارجه ، عن متعة اخرى او عن قبول ، فهي شغف يستمر حتى بعد الشبع وتتجاوز حدّ ممتلكاتها ، كما كتب مونتاني ، وهو ما يجعل الرغبة غير المتبادلة بلا قيمة .
عمر السراي أحد الشعراء الشباب المثيرين للجدل وهو صوت غنائي يرسم بصوته حدود الجمال في الحياة والعلاقة بين المذكر والأنثى ، ما يستحقه مني منحته بحب . وبودي ــ ربما لاحقاً ــ الاستمرار مع ديوانه ، وأتعلم الحفريات في فضاء الأنثى . وأخيراً اللهاث وراء الرغبة يعطي حياتنا أجمل المعاني . قال يانيس ريتسوس : " مجنون البيت ، مجنونة ملاءات السرير "
سيظل هذا النص السهل والبسيط للغاية ، سبباً يستدعي الانشغال بالشعر والتفكير به ، لأنه أثار في الجفلة التي ستظل .

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0