الجيل الهش بين الواقع والنرجسية
الهشاشة النفسية في الجيل الجديد

الفريق الدكتور سعد معن الموسوي
رئيس خلية الإعلام الأمني
يشهد الجيل الحالي ظاهرة لافتة تتعلق بسرعة الانهيار النفسي أمام التحديات مقارنة بالأجيال السابقة. وهي ما يُصطلح عليه في علم النفس المعاصر بـ الهشاشة النفسية. هذه السمة لا تعني الضعف المطلق بل تكشف عن بنية داخلية هشة تجعل الفرد أكثر عرضة للانكسار عند مواجهة الإخفاق أو النقد.
وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن هذه الظاهرة تتسع بشكل متسارع بين الشباب، حتى أن الجمعية الأمريكية لعلم النفس أشارت في تقريرها الأخير إلى ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بين جيل الألفية وما بعده بنسبة تتجاوز 25% عن الأجيال السابقة.
الفراغ العاطفي والتأثير الرقمي
من أهم الأسباب الكامنة وراء ذلك ما يسميه الباحثون بـ الفراغ العاطفي. إذ أدى ضعف الترابط الأسري والاجتماعي إلى جعل الشباب يفتقدون شبكة دعم حقيقية تعينهم على مواجهة الأزمات.
هذا النقص غالبًا ما يتم تعويضه عبر الفضاء الرقمي، لكن وسائل التواصل الاجتماعي لا تقدم دعمًا حقيقيًا، بل تضع الفرد في دائرة لا تنتهي من المقارنة مع الآخرين، فيعيش حالة دائمة من الشعور بالنقص.
دراسة نشرت في Journal of Adolescence عام 2021 أكدت أن الاستخدام المفرط لهذه الوسائل يضاعف مستويات الحساسية للنقد ويقلل من تقدير الذات، مما يزيد من احتمالية الانهيار النفسي عند مواجهة الأزمات.
النرجسية وضعف المرونة العاطفية
يضاف إلى ذلك بروز سمات نرجسية متزايدة عند البعض من الجيل الجديد، حيث يتمحور الاهتمام حول الصورة الخارجية والبحث عن الإعجاب أكثر من تطوير العمق الداخلي.
النرجسية هنا ليست مجرد ثقة طبيعية بالذات بل حالة مرضية تجعل الشخص ينهار سريعًا إذا لم يحصل على القبول أو التصفيق من الآخرين.
أبحاث علم النفس الاجتماعي خلال العقد الأخير أظهرت أن معدلات النزعة النرجسية ارتفعت بوضوح بين فئة الشباب، وهو ما يفسر ضعف المرونة العاطفية وصعوبة تكوين علاقات متوازنة.
غياب الاعتدال وضبط الانفعالات
الفلاسفة اعتبروا عبر التاريخ أن قوة الإنسان تكمن في قدرته على الاعتدال وضبط الانفعالات. وهي مهارة تبدو شبه غائبة عند الكثير من أفراد الأجيال الحديثة.
فبينما اعتاد السابقون على مواجهة الفشل باعتباره تجربة تعليمية، نجد أن الجيل الجديد يتعامل معه كـ كارثة وجودية تهدد صورته أمام نفسه والآخرين.
هذا التحول يعكس خللًا عميقًا في التربية، حيث غلب التركيز على الإنجاز الفردي والنتائج السريعة بدلًا من بناء الصبر والتحمل.
مشروع تربوي ومجتمعي جديد
إن مواجهة هذه التحديات تستدعي إعادة بناء المنهجية التربوية الأسرية والمجتمعية على أسس جديدة. تبدأ من تعزيز الروابط العاطفية بين الوالدين والأبناء وتوفير بيئة تسمح بالتعبير الحر عن المشاعر دون خوف من النقد.
كما يجب أن تتحول المدرسة إلى فضاء يعلم مهارات الحياة والمرونة العاطفية إلى جانب المعرفة الأكاديمية.
برامج التثقيف النفسي والاجتماعي يجب أن تتضمن تدريبًا على إدارة الانفعالات وتقبل الفشل والتعاطف مع الذات. وهي مهارات أثبتت الدراسات في علم النفس الإيجابي (APA 2022) أنها تقلل من معدلات الانكسار النفسي وتعزز القدرة على الصمود.
الخاتمة
إذا ما تحققت هذه الإصلاحات بشكل متكامل، فإن الأجيال القادمة ستتمكن من استعادة التوازن النفسي الذي فقدته، وستكون أكثر قدرة على مواجهة أعباء الحياة دون أن تقع فريسة للانهيار السريع أو الانغلاق النرجسي.
وهنا يتضح أن علاج الأزمة لا يكمن فقط في فهمها، بل في صياغة مشروع تربوي واجتماعي جديد يحمي الداخل الإنساني من التفكك ويعيد إلى الفرد صلابته الداخلية.
ما هو رد فعلك؟






