حيدر صبِي

أثار اللقاء الأخير للسياسي المستقل عزت الشابندر في برنامج "المقاربة" على قناة دجلة ردود فعل واسعة، خاصة بعد تصريحاته حول الواقع السياسي في المناطق السنية والتي فُسّرت على نحوٍ مجتزأ لتُقدَّم بوصفها طعناً بمكوّن كامل، بينما قصده كان أعمق وأصدق من تلك القراءة المتعجلة التي ذهبت إلى مَضْلَقِ فهمٍ خاطئ.

لقد عُرف الشابندر بمواقفه الصريحة تجاه الجميع، فهو ينتقد السلوك السياسي لقادة المكونات لا أبناءها، فبحكم سرديته السياسية المعروفة ومواقفه ثم مبدئيته التي كانت قد أصّلت لديه القناعة من أن المكونات العراقية جميعها "سنة وشيعة وكرد" تشترك في مظلومية واحدة اسمها العراق.. لم نسمع له تصريحاً يتحدث بلغة الإقصاء أو الكراهية، بل كانت أغلب تصريحاته تتحدث بلغة الإصلاح والتحذير من الانحدار نحو الاصطفاف الطائفي والفساد الانتخابي الذي شوّه التجربة الديمقراطية.

حين قال إن “95% من المال السياسي في المناطق السنية جعل الصوت لمن يدفع أكثر”، لم يكن يهاجم المكوّن بل كان يصف مرضاً أصاب الطبقة السياسية برمتها. لكن وكعادته، واجه حملات ممنهجة من بعض قادة المكون السنّي الذين استثمروا تصريحه كدعاية انتخابية في محاولة لإظهار أنفسهم ضحايا، متجاهلين أن الرجل نفسه ينتقد قادة المكون الشيعي بالحدة نفسها. ولعل تغريدته الأخيرة جاءت كبيان توضيحي بالغٍ للقصدية، لخّصت فلسفته السياسية إذ يقول: “الوطنية تقتضي الصدق في الرصد والتقويم دونما فرق بين مكوّن وآخر، وحينما ننتقد الشيعة إنما نقصد قياداتهم، وحينما ننتقد السنة فنقصد قياداتهم أيضاً…”.

عليه، فقد أغلق الشابندر باب التأويل والتحليل، مؤكداً أن الوطنية لا تُقاس بالعناوين الطائفية بل بمقدار الجرأة في قول الحقيقة.. إنه السياسي الذي لا يجد في قاموس متبنياته مخبأً للنفاق، بل يضع الصدق معياراً لسياقات أفعاله، وإن كلّفه ذلك المناصب والمغانم. وقد كلفته مواقفه فعلاً الشيء الكثير، لعل من أبرزها حرمانه من تسنّم رئاسة الوزراء، مع تحليه بصفات الإدارة والقيادة وصفات الاستقلالية وشجاعة القرار.. ببساطة لم يرضَ أن يكون تابعاً لأحد، حيث إنه صوت العراق العاقل الذي لا يخشى الحقيقة ولا يساوم عليها، لأن ضميره السياسي لا يعرف إلا الوطن وقلبه لا ينبض إلا بمحبة جميع أبناء شعبه.