انفلات المال الانتخابي في العراق: تعليمات المفوضية أمام اختبار الواقع
لائحة تعليمات جديدة لتنظيم الإنفاق الدعائي للمرشحين
وكالة عين للانباء - خاص
مع انطلاق الحملات الانتخابية رسميًا، أصدرت المفوضية العليا للانتخابات، يوم الأحد، لائحة تعليمات جديدة لتنظيم الإنفاق الدعائي للمرشحين والتحالفات السياسية قبل انتخابات 11 نوفمبر/تشرين الثاني. تنصّ اللائحة على أن سقف إنفاق المرشح الواحد هو 250 دينارًا لكل ناخب في الدائرة الانتخابية، وما يُنفق أكثر من ذلك يُعدّ خرقًا للقانون.
كما حددت المفوضية، سقف إنفاق الأحزاب والتحالفات بحدّ أقصى يصل إلى 138 مليار دينار في بغداد، بحسب ما أوضح مدير الفريق الإعلامي في المفوضية، عماد جميل.
لكن هذا التنظيم الرسمي يتداخل مع أرقامٍ ميدانية تفوق بكثير هذه الحدود القانونية، ووفق تصريحات لمسؤولين وتحليلات مراقبين، يُقدّر أن المرشح قد ينفق في الواقع ما بين 1.4 إلى 5 مليارات دينار على حملته الدعائية، ما يجعل إنفاق جميع المرشحين (حوالي 7,926 مرشحًا) يربو على 11 تريليون دينار، أي نحو 8.4 مليارات دولار.
هذا الفجوة بين القانون والممارسة ليست جديدة؛ فهي تمثل أحد أبرز أسئلة المشهد الانتخابي العراقي.
قانون تنظيم الإنفاق الانتخابي ( لعام 2013) يُبيّن أن الحملات يجب أن تُجري حساباتها ضمن سقف الإنفاق وتُقدّم تقارير مالية مفصلة.
لكن المشكلة تكمن في ضعف التنفيذ والرقابة، ووفق تقارير ائتلاف مكافحة الفساد، تُعاني اللجنة العليا للانتخابات من افتقار إلى الاستقلالية والموارد الفعلية لفرض العقوبات، مما يسمح بفوضى مالية وتسرب شفافيات التمويل السياسي.
من المنظور السياسي، يرى مختصون أن هذا الإنفاق الفلكي يتحول إلى استثمار سياسي قبل أن يكون إنفاقًا دعائيًا، حيث يسعى المرشح إلى “استرداد” المبلغ من خلال المناصب الحكومية أو العطاءات العامة.
ويُوضح بحث لمعهد "تشاتام هاوس للشؤون الدولية" أنّ النخبة الحاكمة في العراق تستخدم الانتخابات كآلية لإعادة توزيع النفوذ والموارد بينها ، ولا وجود لإصلاح حقيقي أو تمثيل شعبي.
ويشير المراقبون إلى أن مجرد وجود سقوف قانونية أو لائحة تعليمية لا يكفي إذا لم تُرافق بإجراءات رقابية فعالة، مثل مراجعة الحسابات، وكشف المساهمين، وفرض عقوبات رادعة تفوق قدرة المرشحين على دفع الغرامة كـ “كلفة تشغيلية” إضافية، فالغرامات التي أُعلن أنها تصل إلى مليون دينار ذهابًا وإيابًا قد لا تكون رادعة أمام “ميزانيات الحملات” الضخمة نفسها.
في المحصلة، يُجسّد هذا المشهد التناقض الصارخ بين النص والقانون من جهة، والواقع العملي من جهة أخرى؛ ويفتح الباب أمام سؤال أساسي: هل يمكن لمشهد انتخابي يُهيمن عليه المال أن يُنتج تمثيلًا حقيقيًا أو إصلاحًا مؤسسيًا؟
وبينما تراقب المفوضية تنفيذ لوائحها، يظل التحدّي الأهم في قدرتها على الحفاظ على النزاهة، لا مجرد إصدار القوانين.
ما هو رد فعلك؟
أعجبني
0
لم يعجبني
0
أحببته
0
مضحك
0
غاضب
1
حزين
0
رائع
0





