عين للانباء

يشهد شرق البحر المتوسط تحولاً استراتيجياً غير مسبوق، تتقدمه لأول مرة منذ 13 عاماً مناورات عسكرية بحرية مشتركة بين مصر وتركيا تحت اسم "بحر الصداقة 2025". هذه التمرينات، التي تضم فرقاطات وغواصات وطائرات مقاتلة من الجانبين، لا تمثل مجرد تدريب عسكري روتيني، بل إعلاناً عملياً عن نهاية مرحلة التوتر وبداية تعاون استراتيجي يتجاوز "تصفير المشاكل" إلى شراكة فعلية في مجالات التصنيع العسكري والتنسيق الأمني.

الجزء الثاني: قراءة استراتيجية للتقارب المصري التركي

يُعرِّف الخبير العسكري سمير راغب هذا التقارب بأنه نتاج "تشابه تسليحي وتاريخ عسكري مشترك"، ورد فعل متقارب تجاه تهديدات مباشرة للأمن القومي لكلا البلدين، في إشارة واضحة إلى السياسات الإسرائيلية. ويؤكد أن هذا المستوى من التعاون يبين مدى التوافق السياسي العميق، خاصة في الملف الفلسطيني، ويرسّخ وجود قطبين إقليميين قادرين على تغيير موازين القوى.

 تعزيز الوجود في قبرص وتغيير المعادلة الجوية

في رد فعل متوقع، كشفت تقارير عن تسليم إسرائيل منظومة "باراك MX" الدفاعية المتطورة لقبرص، بقدرة على اعتراض الطائرات المسيرة والصواريخ على مدى 150 كم. هذه الخطوة، التي هدفت أنقرة تحذيراتها منها، تهدف إلى تغيير البيئة الأمنية في الشرق المتوسط ومواجهة النفوذ التركي المتنامي، مما يفتح الباب أمام سباق تسلح جديد واحتمالات تصعيد.

التحركات المصرية: تحصين الجبهة الداخلية ودرء خطر التهجير

بالتوازي مع التحرك الخارجي، تواصل القاهرة تعزيز ترسانتها الدفاعية، حيث تبحث صفقة طائرات إنذار مبكر سويدية "ساب".

ويأتي هذا في سياق مواجهة ما تُصنفه كتهديد استراتيجي رئيسي: المخطط الإسرائيلي لتهجير سكان غزة نحو سيناء.

ويؤكد راغب أن الجيش المصري قادر على حماية الأمن القومي، وأن التعاون مع تركيا يبقى في إطار التنسيق وليس التحالف الدفاعي الكامل.

 الوساطة الأمريكية المشروطة وغِياب يُثير التساؤلات

على الجانب السياسي، حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استعادة المبادرة بدعوة قادة عرب وإسلاميين إلى اجتماع حول غزة،  لكن الغياب اللافت لرئيسي مصر والسعودية مثل رسالة واضحة بتراجع الثقة في قدرة الوساطة الأمريكية على تقديم حلول متوازنة، خاصة مع استمرار واشنطن في تحميل حماس المسؤولية الكاملة دون ضغط فعلي على حكومة نتنياهو.

 إسرائيل بين العزلة وتكاليف الحرب

تُظهر التحليلات أن كلفة الحرب في غزة بدأت تفوق مكاسب إسرائيل الميدانية، حيث تآكلت صورتها دولياً تحت وطأة المشاهد الإنسانية.

 ويشير راغب إلى أن تركيا، بوجودها العسكري على حدود إسرائيل للمرة الأولى، لم تعد تتعامل مع تل أبيب كشريك محتمل، ما يزيد من احتمالية المواجهة المباشرة، خاصة مع تصاعد الاشتباكات في سوريا.

 شرق المتوسط على فوهة بركان

بين تحالفات عسكرية متغيرة وسباق تسلح متصاعد، لم يعد الشرق المتوسط منطقة مستقرة، فالتقاطع المصري التركي يبعث برسالة واضحة برفض الأمر الواقع الإسرائيلي، بينما تزيد الخطوات الإسرائيلية الاستفزازية من حدة الاحتقان.

وفي هذا المشهد المعقد، تبقى قضية غزة هي المحك الحقيقي: فإما أن تكون مدخلاً لتهدئة إقليمية حقيقية، أو شرارة لحرب أوسع لا تُحمَد عواقبها.