حسابات وهمية ووجوه رمادية لا ملامح لها في الواقع

الفضاء الرقمي المشبوه

سبتمبر 10, 2025 - 12:38
 0
حسابات وهمية ووجوه رمادية لا ملامح لها في الواقع

رسل جمال

إنها الفوضى الخلاقة الافتراضية، فكلما اقتربت لحظة الانتخابات في العراق، ارتفع معها منسوب الحراك السياسي واشتد التنافس بين القوى. لكن ما يثير القلق ليس فقط شدة المنافسة التقليدية، بل انتقال المعركة إلى الفضاء الرقمي المشبوه، حيث تُدار أشرس الحملات الإعلامية التي تسقط هذا وترفع وتطبل لذاك حسب ما يُدفع لها من أموال.

من يقف وراء الحسابات الوهمية؟

هنا يطلّ السؤال الأخطر: من يقف وراء الحسابات الوهمية التي تبث سمومها بلا اسم ولا صورة؟
الواقع أن هذه القطعان من الحسابات المأجورة لا تتحرك بعفوية، ولا تُدار من شباب عابثين خلف الشاشات كما يتوهم البعض، بل تقف خلفها جهات منظّمة تمتلك أجندة، توقيتًا وأهدافًا مدروسة.
عندما نجد دعوات صريحة على هذه المنصات لتدخل عسكري إسرائيلي في العراق، فهذا ليس مجرد رأي عابر، بل هو مشروع فوضى مدفوع الثمن، يهدف إلى كسر ثقة الشارع بنفسه وزرع اليأس والانقسام بين أبنائه.

الحرب النفسية الرقمية

ما نشهده يدخل في صميم الحرب النفسية الرقمية، حيث تُستخدم الخوارزميات وآليات إعادة تدوير المحتوى لخلق موجات مصطنعة من الغضب والخوف. تُبث الرسائل نفسها مئات المرات عبر آلاف الحسابات المجهولة، لتصنع وهم وجود "رأي شعبي واسع"، وهنا تكمن الخديعة: نحن أمام هندسة وعي، لا أمام تعبير حقيقي عن وعي الشارع.

الإعلام الرقمي لا ينقل الواقع، بل يقوم بإعادة برمجة الأذهان. ليس جديدًا على منطقتنا أن الحرب النفسية ليست اختراعًا رقمياً، بل سلاح قديم أعيدت صياغته بلغة العصر:

  • الحرب العالمية الثانية: تلقي الجيوش منشورات من الطائرات لإضعاف معنويات الجنود والمدنيين.

  • حرب فيتنام: استخدام الإذاعات الموجهة لبث رسائل اليأس والانقسام داخل المجتمع الفيتنامي.

  • الربيع العربي والثورات الملونة: استخدام مواقع التواصل كأداة لحشد الشارع وصناعة رأي عام مشوّه يخدم أجندات خارجية.

خطر انتقال الحرب الافتراضية إلى الواقع

الأخطر أن هذه الحملات لم تعد تقف عند حدود العالم الافتراضي، بل تهدد بالانتقال إلى الواقع.
عندما يُشحن المواطن بـ خطاب خوف وتحريض وانقسام، ينعكس ذلك على سلوكه اليومي، وقد يتحول الأمر من مجرد تغريدات مكررة إلى احتكاكات في الشارع وربما صدامات فعلية.

الوجوه الحقيقية خلف الحسابات

الجريمة الكبرى ليست في الحسابات الوهمية بحد ذاتها، بل في الوجوه الحقيقية التي تديرها وتختبئ خلفها.

  • من يفتح هذه الحسابات؟

  • من يمولها؟

  • من يضع استراتيجياتها؟

  • من يحدد ساعة انطلاق الحملات وموضوعاتها؟

هذه الأسئلة يجب أن تُطرح بجدية، لأننا أمام غرف عمليات رقمية تحاول اختطاف وعي الناس، وتشويه الحقائق، وتحويل الانتخابات إلى ساحة اقتتال افتراضي قد ينفجر في أي لحظة على الأرض.

الخيانة الرقمية والإعلامية

الجهات التي تدير هذه الحسابات ترتكب خيانة بحق الشعب، لأنها لا تنافس بأفكار أو برامج، بل تستخدم أسلوب تسميم العقول وإشعال الأزمات. إنهم يدركون أن سلاح الإعلام الرقمي صار أكثر فتكًا من الرصاص، ولذلك يشهرونه بلا رحمة في وجه المجتمع.

ترك هذه الحملات تمر دون رصد أو محاسبة يعني التسليم لموجات الفوضى لتتوسع وتتحول إلى واقع. المطلوب اليوم:

  • رصد منهجي للحسابات الوهمية

  • كشف ارتباطاتها الداخلية والخارجية

  • تعريتها أمام الرأي العام

فالصمت عنها لم يعد خيارًا، والتهاون معها ليس إلا مشاركة في جريمة كبرى بحق الاستقرار الوطني.

وعي المواطن خط الدفاع الأول

يجب أن تبقى الانتخابات ساحة تنافس شريف، لا ميدانًا لحروب قذرة تُدار من وراء شاشات مظلمة. من يختبئ خلف حسابات وهمية ليزرع الشك والخوف والانقسام، يعلن عداءه للعراق علنًا.

على المواطن أن يعي أن الحرب لم تعد تُخاض بالبنادق وحدها، بل تُدار اليوم في هاتفك، على شاشتك، وبين أصابعك.

  • كل تغريدة تقرأها، كل منشور يمر أمامك، قد يكون جزءًا من مخطط لإضعاف ثقتك بنفسك وببلدك.

  • لا تمنح هذه الحسابات المجهولة سلطة على وعيك.

  • لا تكن وقودًا لمعارك قذرة تُراد لها أن تشتعل في الشارع.

تذكّر أن الحساب الذي يزرع فيك الخوف قد يكون جالسًا في غرفة مظلمة خارج حدود بلدك، وأن من يدعوك إلى الكراهية والانقسام لا يريد لك خيرًا.
سلاحك الحقيقي هو الوعي، وقدرتك على التمييز بين الرأي الصادق والدعاية المسمومة.

  • لا تساهم في إعادة نشر ما يثير الفتنة.

  • الوطن لا يحميه السلاح فقط، بل يحميه أيضًا عقل المواطن الواعي الذي يعرف متى يقول: "لا" للتضليل، و"نعم" للاستقرار والكرامة.

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0