في ليلة وضحاها.. حملة سحب جماعي للجنسية الكويتية تطال عشرات الآلاف وتثير مخاوف إنسانية وقانونية

في خطوة غير مسبوقة في تاريخ دولة الكويت، فقد عشرات الآلاف من الأشخاص، بينهم آلاف النساء، جنسيتهم الكويتية بشكل مفاجئ خلال أقل من عام، في إطار ما وصفته

 0
في ليلة وضحاها.. حملة سحب جماعي للجنسية الكويتية تطال عشرات الآلاف وتثير مخاوف إنسانية وقانونية

حملة تقودها القيادة الجديدة: بين "الإصلاح" و"الإقصاء"

منذ توليه الحكم في ديسمبر 2023، أطلق أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح سلسلة قرارات استثنائية، شملت حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور، تبعتها حملة واسعة لسحب الجنسية، طالت حتى الآن أكثر من 37 ألف شخص، بحسب إحصاءات جمعتها وكالة فرانس برس بناء على معطيات رسمية. وأشارت تقارير محلية إلى أن العدد قد يكون أعلى من ذلك بكثير.

في خطاب متلفز في مارس الماضي، برر الأمير هذه الإجراءات برغبته في "تسليم الكويت لأهلها الأصليين نظيفة خالية من الشوائب"، وهو ما اعتبره محللون محاولة لإعادة تعريف مفهوم "الكويتي الأصيل"، وإعادة تشكيل الجسم الانتخابي في دولة تشهد حالة شبه دائمة من التوتر السياسي بين الحكومة والبرلمان.

تداعيات إنسانية وقانونية فورية

بالنسبة إلى لمى، وهي سيدة خمسينية من أصل أردني حصلت على الجنسية الكويتية بعد زواجها بمواطن كويتي منذ أكثر من عقدين، كانت الصدمة فورية ومزلزلة. تقول:

"بعد 23 سنة من الالتزام بالقانون، اكتشفت فجأة أنني لم أعد كويتية. جُمد حسابي البنكي، وأُوقفت بطاقتي، وفقدت كل شيء دفعة واحدة".

لمى ليست وحدها. فقد أُلغيت جنسية آلاف النساء ممن حصلن عليها عبر الزواج منذ عام 1987، ما أدى إلى توقف رواتب التقاعد، وتجميد القروض، وتعليق الخدمات الأساسية، دون منح بدائل قانونية فورية، في ظل غياب أي مسار شفاف للطعن أو الاستئناف.

مبررات حكومية: تزوير ومصلحة عليا

وزارة الداخلية الكويتية أوضحت، في بيان رسمي، أن قرار سحب الجنسية استند إلى أسباب تتعلق بـ"التزوير" أو ازدواج الجنسية، وهي مخالفة للقانون الكويتي، بالإضافة إلى حالات أخرى سُحبت منها الجنسية لـ"المساس بولائها للبلاد" أو بناءً على "المصلحة العليا للدولة".

ومع ذلك، شملت الإجراءات شخصيات عامة بارزة حصلت على الجنسية بسبب "الأعمال الجليلة"، من بينها الفنانة نوال الكويتية والممثل داود حسين.

أبعاد سياسية: تضييق الجسم الانتخابي؟

يرى محللون أن هذه الخطوة تأتي ضمن محاولة للحد من حجم الجسم الانتخابي، وخلق قاعدة ناخبة "أكثر قابلية للإدارة السياسية". يقول جورجيو كافييرو، رئيس مركز Gulf State Analytics:

"يبدو أن القيادة الكويتية تسعى لتقليص عدد المواطنين، بما يمكّنها من تشكيل مجتمع سياسي أكثر قابلية للتوجيه، وأقل إرباكًا للنظام".

ويضيف الباحث الكويتي بدر السيف:

"هذه الحملة تعكس سؤالًا عميقًا حول الهوية: من نحن كأمة؟" ويعتبر أن هذه الإجراءات تحمل طابعًا إقصائيًا واضحًا، خاصة أنها لا تراعي الاعتبارات الإنسانية ولا تعترف بتاريخ التجنيس الرسمي للآلاف.

النساء في عين العاصفة

تشير الأرقام إلى أن النساء شكّلن غالبية المتضررين من سحب الجنسية، لا سيما اللواتي اكتسبن الجنسية عن طريق الزواج. وتقول ميليسا لانغورثي من مركز Includovate:

"يُقال للنساء المجنَّسات بوضوح إنهن لسن منتجات مثالية لهذه الأمة".

من جانبها، علّقت منصورة ميلز من منظمة العفو الدولية قائلة:

"الحق في الجنسية حق إنساني أساسي، وفقدانه يعرض الناس لعواقب قاسية تمس الكرامة وسبل العيش، وهو ما يعرفه البدون جيدًا".

انعكاسات طويلة المدى

يمثّل هذا التحول في سياسة الجنسية منعطفًا حادًا في تاريخ الكويت، التي كانت تمنح الجنسية في بعض الحالات تكريمًا للمواقف أو مساهمات مجتمعية، خاصة بعد غزو العراق عام 1990. لكن السياسة الحالية تبدو أقرب إلى "التطهير الإداري"، حسب وصف مراقبين، تهدف إلى تصفية من لا تُرضي أصولهم السلطة الجديدة.

وعود حكومية وواقع مختلف

رغم وعود السلطات بـ"معاملة المتضررات كمواطنات في الحقوق الاجتماعية"، إلا أن الوقائع الميدانية تشير إلى أن العديد منهن حرمن فعليًا من مزايا الرعاية الصحية، الضمان الاجتماعي، والتقاعد، وحتى القدرة على السفر، دون إطار قانوني واضح لاستعادة جنسياتهن السابقة أو التظلم من القرار.

نزعة قومية أم إدارة انتخابية؟

قد يرى البعض في حملة سحب الجنسية خطوة نحو حماية الهوية الوطنية في ظل تحديات ديموغرافية واقتصادية. لكن اتساع نطاق المتأثرين، وغياب الشفافية، والخسائر القانونية والاجتماعية، تطرح تساؤلات جدية حول عدالة الإجراءات وغاياتها السياسية.

ففي ظل تراجع الثقة بين الدولة ومواطنيها، وغياب المحاسبة البرلمانية بعد حل مجلس الأمة، تبدو هذه السياسة أقرب إلى "الهندسة الديموغرافية" منها إلى إصلاحات شاملة تعكس التعدد الحقيقي للمجتمع الكويتي.

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0