سؤال التنوير..السعادة قوة .. والعقل مقياس الأشياء
عين نيوز


تبدو الأرض مثل الرفوف الكبيرة حيث الجميع يريد أن يكتب اسمه. عندما تكون هذه الأقراص ممتلئة ، يجب عليك مسح الأسماء المكتوبة هناك بالفعل ، لوضع أسماء جديدة. ماذا سيكون لو بقيت جميع آثار القدماء؟ لم يكن لدى الحداثيين مكان وضعهم.
برنارد فونتنيل
| الحلقة 12 |
علــي حســـين
مونتاني : أهذا أنت، سقراط المقدس؟ ما أسعدني بلقائك لقد جئت لفوري إلى هذا المكان، ومنذ تلك اللحظة كنت أبحث عنك. وأخيراً وبعد أن ملأت كتابي باسمك وبامتداحك وبالثناء عليك، أستطيع أن أتحدث إليك.
سقراط: أني سعيد أن أرى إنساناً ميتاً يبدو أنه كان فيلسوفاً، ولكن حيث إنك جئت من هناك أخيراً... دعني أسألك عن الأخبار كيف حال الدنيا؟ ألم تتغير كثيراً؟ .
مونتاني : حقاً تغيرت كثيراً. قد لا تعرفها.
سقراط: كم ابتهج بسماع هذا. أنا لم أشك قط في أنها ستصبح أحسن أو أعقل مما كانت في زماني.
مونتاني: ماذا تقول؟ إنها أشد خبلاً وفساداً من أي وقت مضى. وهذا هو التغيير الذي أردت أن أناقشه معك. وكنت مترقباً أن أسمع منك أبياتاً عن العصر الذي عشت فيه، والذي ساده كثير من الأمانة والعدل.
سقراط: وأنا، على العكس، كنت أنتظر لأعرف منك عجائب العصر الذي عشت فيه منذ أمد قصير. ماذا؟ ألم يصلح الناس من الأخطاء والحماقات القديمة؟.... كنت أؤمل أن تتجه الأمور نحو العقل، وأن يستفيد الناس من خبرة السنين الطوال.
مونتاني : ماذا تقول ؟ يستفيد الناس من الخبرة ؟ إنهم مثل الطيور التي كثيراً ما تركت نفسها نهيباً للشراك التي وقع فيها بالفعل مئات الآلاف من نفس النوع. إن كل فرد يدخل جديداً إلى الحياة، وتقع أخطاء الآباء على الأبناء.... وللناس على مر القرون نفس الميول والنعات التي لا سيطرة للعقل عليها. ومن فإنه حيثما وجد الناس وجدت الحماقات والأخطاء، بل هي هي نفسها .
سقراط: إنك أضفيت مثالية على العصور القديمة لأنك غاضب على عصرك.... إننا في حياتنا كنا نقدر أسلافنا أكثر مما كانوا يستحقون. والآن يمجدنا أعقابنا فوق ما نستحق. ولكن أسلافنا وأنفسنا وذريتنا كلهم سواء.
مونتاني : ولكن أليست هناك أزمان أفضل وأزمان أسوأ؟.
سقراط: ليس هذا بالضرورة. فالملابس تتغير، ولكن هذا لا يعني أن شكل الجسم يتغير كذلك. فالتهذيب والفظاظة والمعرفة والجهل.... ليست إلا خارج الإنسان، وهي التي تتغير، ولكن القلب لا يتغير بأية حال، وكل الإنسان هو في القلب.... وبين الجمهور الغفير من الناس الذين يولدون على مدى مئة من السنين، تنثر الطبيعة هنا وهناك نفراً قليلاً لا يتجاوز عددهم ثلاثين أو أربعين. ممن يتمتعون بعقول راجحة .
كان هذا اللقاء المتخيل بين الفيلسوف اليوناني سقراط الذي عاش في العام 400 قبل الميلاد ، والكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتاني الذي عاش في القرن السادس عشر ، قد جاء في كتاب مثير للجدل صدر عام 1683 بعنوان " محاورات الموتى " كتبه رجلٌ كان من المؤمنين بالتقدم العلمي ، والعشاق لمبادئ ديكارت ، لكنه عاش حياته التي قاربت على القرن دون أن يتبع أي مفكر سوى إيمانه بأن ديكارت له الفضل الأول على عصر التنوير :" إن الرجل العظيم يملي أحياناً اتجاه العصر ، ويصح هذا عن ديكارت الذي يستطيع الافتخار بوضعه فلسفة وضعت العقل في مكانه الحقيقي " .
ولد برنارد فونتنيل في الخامس والعشرين من أيار عام 1657 لأب كان محاميا بارزاً ، ولأم تعشق الرسم ، وفي صباه قرر أن يصبح أديباً ، فكتب عدداً من القصائد وصفتها والدته بأنها هزيلة مثل جسده ، نصحه والده أن يتخذ من المحاماة مهنة ، لكنه فشل في ممارستها بعد حصولة على شهادة في القانون ، وجد في كتب ديكارت ملاذه ، يكتب في يومياته :" كأن نوراً انبثق داخل روحي " ، يكتب أرنست كاسيير أن فونتنيل كان أول من احتفل بموضوع عصر التنوير" ، حيث أيقن إن الرياضيات هي " مفخرة العقل الإنساني " ، في أول كتبه " حوارات الموتى " أصر على مناقشة الصراع بين القديم والحديث ، وقد شارك فونتنيل الذي عاش في عصر فولتير وديدرو وروسو في تنمية الشك بصدد الحقائق الدينية ، حيث نشر كتابه الشهير " أصل الحكايات الخرافية " وفي هذا الكتاب يرفض الرأي القائل بان الأساطير والخرافات ترجع لا الى العقل ، وإنما الى عبث القوة التخيلية ، فالأساطير اليونانية مثلا نشأت من الرغبة في تفسير الظواهر ، وكانت من إبداع العقل ، حتى وإن كان للخيال دور في تطويرها . إن ذهن الإنسان في العصور القديمة لم يكن مختلفاً جوهرياً عن ذهن الإنسان ، فكل من الإنسان البدائي والحديث يحاول أن يفسر الظواهر ليرد المجهول الى المعلوم . والفرق بينهما إن المعرفة الايجابية في الزمن الماضي كانت ضئيلة ، وكان العقل مجبراً على اللجوء الى التفسيرات الأسطورية ، بينما العالم الحديث نمت فيه المعرفة الإيجابية الى حد أصبح التفسير العلمي يحل محل التفسير الأسطوري يكتب فونتنيل :" لم يكن هناك سبب مقنع للقول بأن الخرافات كانت تعزى الى نشاط الجن ، أو أن العرافات أخرست عن الكلام بمجيء المسيح لايمكن القول إن هذه النقاط موضع الجدال لها أهمية كبيرة ، فهي يعوزها أي أساس تاريخي " ..وهكذا فالله عند فونتنيل ليس إله أي دين تاريخي ، لكنه إله الطبيعة الذي يتجلى في التصور العلمي للعالم
كان فونتنيل أول من صاغ فكرة تقدم المعرفة كمذهب كامل ، وأول من نادى بفكرة تقريب العلم للناس ، وكان من نتائج تغلغل هذه الفكرة وانتشارها في عقول عامة الناس وتحولها الى قوة حية في المجتمعات المتحضرة ، أن تحقق إدراك معنى العلم وقيمته ، وانتشار منجزات العلم التي ساعدت على جذب انتباه الناس الى المذهب العام للتقدم ، وقد استطاع فونتنيل الذي كتب رسالة عن نيوتن ، وأن يشرح في كتابه " العوالم وكثرتها "علوم الفلك ، حيث يقوم أحد العلماء بشرح علم الفلك الجديد الى سيّده في حديقة منزل ريفي ، ويعد مؤرخو الفلسفة كتاب فونتنيل هذا ، أول كتاب يعرف عامة الناس بالعلم ، حيث لعب دوراً كبيراً في تسرّب أخبار المكتشفات العلمية البارزة الى خارج الدوائر الاكاديمية ، فكان العلم موضع أحاديث الصالونات ، ودرست السيدات للمرة الأولى الميكانيكيا وعلم التشريح ، الأمر الذي أثار حفيظة الكاتب المسرحي موليير الذي كتب مسرحية " النساء العالمات " والتي قدمت على المسرح عام 1672 ... لقد كان كتاب فونتنيل " العوالم وكثرتها " شيئاً عظيماً إذ للمرة الأولى يشرح بتعاطف ثورة الكونيات التي ارتبطت باسماء كوبرنيكوس وغاليلو وكبلر ، وساهم في تنمية خيال القراء يكتب فونتنيل :" هذا هو العالم ، إنه كبير للغاية مما جعلني أتوه فيه ، فلم أعد قادراً على معرفة أين أنا ، واصبحت شيئاً لايزيد عن لا شيء ، فالأرض صغيرة بدرجة مفزعة " .
******
إن أعظم ما في العالم أن يكون المرء لنفسه
مونتاني
في عام 1571، اعتزل المفكر والفيلسوف الفرنسي ميشال دي مونتاني، الناس والحياة العامة والنشاط السياسي ملتجئاً الى مكتبته، كان آنذاك في الثامنة والثلاثين من عمره، هناك راح يقرأ ويفكر:"ليس ثمة أجمل من القراءة والتفكير، لزيادة معرفتنا، وانتشال أرواحنا من الظلمة".
كان مونتاني يعيش في الريف الفرنسي في بيت أشبه بالقلعة اشتراه جده من عمله في التجارة، في هذا البيت فتح عينيه على مكتبة كبيرة تضم أكثر من ألف مجلد في الفلسفة والشعر والتاريخ، هناك قرر " الاستمتاع بالحياة " وليكتب مقالاته التي تفرغ لها طوال حياته لتصدر بعد موته بمؤلف ضخم بعنوان " المقالات " ، أصبح واحداً من المؤلفات الأساسية في الفكر الإنساني حيث وجد فيه معظم فلاسفة القرن العشرين، كتاباً بالغ الأهمية عن حرية الإنسان، حيث نجد مونتاني يتنقل بين موضوعات الحرية والسعادة والصداقة والحب والعدالة والحرب والسلم والتسامح والتربية وفلسفة الطبيعة، ليثبت أن الإنسان حر على رغم كل شيء ، فهو يقرر أن الشرط الأساس للحصول على السعادة هو الشك الشامل بالأشياء المحيطة بنا ، فاذا اتبع الإنسان ذلك المبدأ وحرّر نفسه من كل المقولات الجاهزة استطاع أن يستمتع بحياته ، يكتب برتراند رسل :" بينما كانت فرنسا يمزقها صراع ديني واجتماعي ظهر رجل يتمتع مقدماً ، في قراره نفسه بالسلام ، وقدّم لمواطنيه الذين شغلهم الحماس الجنوني للسياسة ، نصائح تدلهم على طريق الحقيقة وأين تكمن السعادة " .
ولد ميشيل دي مونتاني سنة 1533 في مقاطعة شمالي فرنسا على أرض اشتراها جده الذي جمع المال الكثير من خلال تجارة الأسماك ، وهكذا ولد أبوه ثرياً فعمل في الجيش وتدرّج في الرتب حتى أصبح عمدة لمدينة بوردو ، وقد عمل مونتاني في بداية حياته عضواً في المحكمة التابعة للبرلمان ، لكنه بعد مدة قصيرة ترك هذه المهنة وتفرع للقراءة فقط ، وبعد وفاة والده ورث ثروة كبيرة جعلته يعتزل العالم ويعيش في قصره وسط مكتبة كبيرة ، يقرأ كثيرا ، ويعلق كثيراً على ما قرأه ، متطرقاً الى معظم أوجه المعرفة ليكتب :" إن أعظم ما في العالم أن يكون المرء لنفسه " ، وقد تجمعت له من مقالاته اكثر من كتاب حيث نشر عام 1580 كتاب " المقالات " بجزئين ثم أضاف لهما جزءاً ثالثاً عام 1588 ، وكان يعمل على تنمية هذه الكتب بالكثير من المقالات الى أن توفّي عام 1592 متاثراً بمرض في المثانة ، وكان مونتاني قد اختار عنوان " المقالات " لكتابه لأنه قرر من خلاله أن يقدم صوراً حية عن الحياة ، وكان حريصاً على أن لايترك شأناً من الشؤون دون أن يبحثه ، في الفصل الأول من الكتاب والذي اسماه " الفراغ " يحدثنا مونتاني عن الغاية من هذه المقالات ، وفي فصول أخرى كثيرة نجده يركز على مفهوم التربية ، وخصوصا تربية الأطفال وهو الفصل الذي أثار اهتمام جان جاك روسو فيما بعد في كتابه الشهير " إميل أو التربية " الذي صدر عام 1762، ، وقد صاغ روسو أفكار كتابه هذا على نمط مونتاني ورؤيته التربوية القائمة على فكرة صلاح الفرد وفساد المجتمع ، فالفرد يولد بفطرة طيبة نقية وطاهرة، لكن بيد المجتمع إفسادها أو حمايتها، فالشر الذي يحدثه الإنسان ليس أصيلاً فيه. يكتب جان جاك روسو في عبارة مشهورة استهلَّ بها كتابه: " كل شيء يخرج من يـد الخالق صالحاً، وما إن تلمسه يـد الإنسان، يصيبه الاضمحلال " .ومثل مونتاني يؤمن روسو أن الإنسان يولد طيباً في طبيعته، لكن ظروف المجتمع هي التي، تمارس أثرها السيئ عليه، ما يفقده بالتدريج طيبته.،
ومثلما يبدو روسو ثورياً في كتابه " أميل" ، حين يؤكد أن الإنسان الذي لا يكون شيئاً عند ولادته ، سيصبح ذات يوم كل شيء .ونجد إن هذا التكوين للعقل ، هو الذي يدرسه روسو ، وهو يريد أن يؤكد أن لا معنى لتاريخ فساد الإنسانية ، إذا لم يكن تاريخ الإنسان نفسه ، إن تطوّر الفرد يعكس إذاً تاريخ نسله ، ومع هذا الفرق نجد أمام كل طفل إمكانية مستقلة ، فليس الطفل بالنسبة لروسو أولاً ، إلا أحاسيس ، ثم عقلاً حسياً ، ومن ثم يغدو " عقلاً عقلانياً " وأخيراً ضميراً أخلاقياً ، فكيف نساعد الطفل لئلا يبعثر حظه في تطوير ملكاته العقلية ، نجد الإجابة عند مونتاني في كتابه " المقالات حيث يؤكد على أن هدف التربية أو التعليم هو تكوين الحكم على الأشياء :" رأس جيد التكوين ، لا رأس جيد الشحن ، ولهذا يؤكد مونتاني إن الطفل يستطيع أن ينمو نمواً صحياً وعقلياً من دون عنف أو قسر ، وهو يكتب : ياللجهل وقلة الاستطلاع من وسادة ناعمة يستريح فوقها من لايفهم معنى التربية " .
كان روسو يعلق أهمية كبيرة على كتاب مونتاني " التعليقات " وكتب الى ديدرو ، إن كتاب مونتاني يجب أن :" يكون حجر الزاوية في ما نريد أن نطرحه من أفكار جديدة ، لأننا سنجد في مؤلفاته نواحي الإصلاح التي يجب إدخالها على المجتمع " ، وقد كان روسو يدرك مثل مونتاني إن أحداً لا يستطيع أن يشرع في إصلاح الدنيا من دون أن يسعى الى إصلاح التربية وقد حرّص روسو أن يوضح لقرائه ، كيف إن الأفكار الواردة في أميل مكملة لمبادئ مونتاني ومتماشية مع أفكاره .
يقدم لنا مونتاني فلسفة غايتها إشاعة السلام والطمأنينة ، فالحياة خير إذا جُردت من كل ضروب الاصطناع التي يفرضها الإنسان :" إذ أن من الكمال المطلق أن يعرف الإنسان كيف يتمتع بكيانه استمتاعاً نزيهاً عن الوسائل التي تحقق هذا الاستمتاع النزيه " ولهذا نجد إن دعوة مونتاني لممارسة " فن الحياة " ، والتي تنحصر في الرجوع الى الطبيعة ، ولهذا ينبغي التماس الحقيقة في الشعور بالنفس ، لا في الأفكار البعيدة عنا ، ولا في ما هو غريب عنا ومن شأنه أن يفسدنا ، والناس ملاقون في نفوسهم ذاتها كل ما يحتاجون إليه من أجل الحياة .أن حياتنا في داخل ذواتنا ، ومن ذواتنا ينبغي أن نستمد المعارف الضرورية للوصول بها الى الخير ، وكل ما عدا ذلك فهو غريب عنا ..ولهذا يجد مونتاني أن هدف التعليم أو التربية كما جاءت عند جان جاك روسو ينحصر أولاً في تكوين الحكم الصائب على الأشياء ، أي تكوين عقل يتجه الى الحقيقة وضمير يتجه الى الخير :" ينبغي للكتب والمحادثات والرحلات والدراسات وضروب اللعب أن تتجه كلها الى هذا الانجاه – تكوين عقل يتجه الى الحقيقة - ، ويجب علينا رياضة الجسم والعقل في آن واحد " .. أن تكون للإنسان قيمة أولية ، وأن يكون هو غايتنا الرئيسة ، وأن يكون لدينا شغف بالعمل لخير الإنسانية ، تلك هي خلاصة أفكار مونتاني ، والتي شكلت القاعدة الرئيسة لمعظم أفكار جان جاك روسو وعدد كبير من فلاسفة التنوير الذين ظهروا قبل وأثناء الثورة الفرنسية .
******
" يرى أرسطو ، مثله مثل معظم الفلاسفة الإغريق ، في عقلنا مقياس الأشياء ، ومن هنا أستبعد من الواقع كل ما ليس معقولا ."
هيغل
كان السؤال الذي يشغل الفلاسفة هو :"كيف يمكننا أن نزيد حظوظنا من السعادة ؟". وكان مونتاني يصر إن الشك بما حولنا يجلب لنا الحقيقة وهذه الحقيقة هي التي ستدلنا على السعادة ، فيما أصر أرسطو الذي عاش قبل مونتاني بما يقارب الألفين أن يخبرنا إن الاحساس بالسعادة سيقودنا إلى السلوك الحسن.
أرسطو الذي ولد في مقدونيا سنة 384 قبل الميلاد، تتلمذ على يد أفلاطون و عمل معلماً للإسكندر ، كان يطرح على تلامذته سؤالاً هو : : "كيف يجب أن نعيش؟".وكان يعتقد إن الاجابة عن هذا السؤال هي الطريق إلى الفلسفة ولهذا ظل طوال حياته يرفع شعار " إبحث عن السعادة" .
ماذا تعني عبارة "إبحث عن السعادة"؟ تعني عند أرسطو اكتمال الفضائل في النفس ، وهو يعتقد إن كل فضيلة توجد في الوسط بين طرفي نقيض. توجد الشجاعة مثلها في الوسط بين الجبن و التهور.
يعتقد الكثير من فلاسفة العصر الحديث بأن أرسطو كان محقاً في ما يتعلق بأهمية تطوير الفضائل كما أن رؤيته لما تعنيه السعادة كانت دقيقة و ملهمة. يعتقدون بأنه عوض السعي إلى رفع نسبة المتعة في الحياة، يجب أن نحاول أن نكون أحسن و أن نفعل الشيء الصحيح. هذا ما يجعل الحياة تسير على ما يرام.
كل هذا يجعل الأمر يبدو و كأن أرسطو كان مهتماً فقط بالتطوير الذاتي للأفراد. لم يكن كذلك. يبين أرسطو بأن المخلوقات البشرية هي مخلوقات سياسية. نحتاج أن نكون قادرين على العيش مع الآخرين، و نحتاج إلى نظام للعدالة حتى نتعامل مع الجانب الأسود من الطبيعة البشرية. لا يمكن أن تدرك السعادة إلا في علاقة مع الحياة في المجتمع. نعيش معاً، و نحتاج أن نجد السعادة بالتفاعل جيداً مع الناس الذين يحيطون بنا في دولة سياسية منظمة.
كان أرسطو يوثف بانه ذكي جداً و كانت أبحاثه شاملة و جامعة لدرجة أن مَن يقرأ أعماله يعتقد أن أرسطو محقاً في كل شيء. وبعد مئات السنين على وفاته ، كان العلماء الذين عاشوا بعده يقبلون أفكاره حول العالم على أساس أنها صحيحة بلا جدال. إذا استطاعوا أن يثبتوا أن أرسطو قال شيئاً، كان ذلك كافياً بالنسبة إليهم. هذا هو ما يسمى أحيانا"يسلطة أرسطو " التي ظلت تهيمن على الفلسفة لاكثر من خمسة عشر قرنا ،
كان أرسطو مفتوناً أيضاً بالعديد من هذه الأسئلة الفلسفية ، لكنه كان يميل إلى الإجابة عنها بطريقة يمكن أنْ نطلق عليها اسم "علمية". لقد كان ، مثل أفلاطون ، فيلسوفاً ، لكنه كان فيلسوفاً طبيعياً ، وهو ما نسميه "عالِماً". كان فرع الفلسفة الذي يثير حماسه أكثر هو المنطق - كيف يمكننا التفكير بشكل أكثر وضوحاً -. كان دائماً مشغولاً بالعالم من حوله ، بالأرض و السماء ، وبطريقة تغير الأشياء في الطبيعة. .عاش ارسطو ومات عاشقا للحكمة. أمضى حياته في محاولة لفهم العالم من حوله ، وبطرق نرغب أنْ نصفها الآن بالعلمية. لقد أثّرت رؤيته للأرض ومخلوقاتها والسماوات المحيطة بها ، في فهمنا لأكثر من 1500 سنة. لقد تفوق أرسطو جنباً إلى جنب مع جالينوس ، على جميع المفكرين القدماء. بالطبع فإنه بنى على ما مضى ، ، لكنه لم يكن فيلسوفاً متعالياً. لقد انخرط بالفعل مع العالم المادي عندما كان يحاول فهمه.
ما هو رد فعلك؟






