تارةً أُخرى .. عشق القائد الذي يقتل الدولة

عين نيوز

مارس 27, 2019 - 13:50
 0
تارةً أُخرى .. عشق القائد الذي يقتل الدولة
بدون وصف


ناصر الحجاج 

يعتز الشعب العراقي بغالبيته العظمى بآية الله السيد علي السيستاني، وبالمراقد المقدسة، وبشهداء العراق من رجال الحشد الشعبي الذين ضحوا من أجل العراق، وهي رموز أخرى يعتز بها العراقيون، الآن ومستقبلاً، وقبلاً كان العراقيون يقدسون صدام حسين وحزب البعث، والعروبة، وأمور أخرى كانت ستستمر قداستها لولا قرار الكونغرس الأمريكي عام 1998 بإصدار قانون تحرير العراق. ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة على يد الاستعمار البريطاني عام 1921 كان الدستور العراقي محل احترام وهيبة لا يجاريها إلا احترام الملك والعائلة الملكية، إلا أنّ ما أسس له نظام صدام في سنواته الأخير كان خطيرا جداً، إذ أدخل، بعد "الحملة الإيمانية"، قيم الدين ورموزه في قيم الدولة ورموزها، بحيث خلط صدام اسمه وصوره وشخصيته في مختلف الشؤون الخاصة بالدولة، فمدينة "الثورة" صارت "مدينة صدام"، و"مطار" بغداد أضحى "مطار صدام"، حتى القرنة المدينة التي يلتقي فيها دجلة بالفرات ليكونا شط العرب أطلق عليها "صدّامية القرنة"، ولم يتوقف الأمر عند حدّ التسميات بل تعداه إلى وضع "الله أكبر" على علم العراق الرسمي، بخط صدام حسين، وغيّر تسمية "الجمهورية العراقية" إلى "جمهورية العراق"، وجعل العلم العراقي في الشعار الجمهورية بشكل أفقي ليتناسب مع هذه العبارة الجديدة، بعد أن كان يرسم بشكل عمودي، وبشكل عام اختصر صدام الدولة في شخصيته، وصار حضور صدام وصوره وأسمائه بديلاً عن حضور الدولة، وباتت هيبة الدولة تعتمد على هيبة صدام، حتى رفعت الدولة العراقية شعار: "إذا قال صّدام، قال العراق" في شخصنةٍ واضحة لكيان الأمة ـ الدولة.
سنوات غسل الأدمغة والحرب النفسية التي مارسها صدام على الشعب العراقي، خلطت عليه مفاهيم الدولة، بقائد الدولة، ومحت الخطوط الفاصلة بين بناء سمعة الدولة وهيبتها وسمعة رموزها وهيبتهم، حتى جاءت سنة 2003 لتفتح الباب للعراقيين المتضررين فكرياً ونفسياً جراء سياسات التجهيل وغسل الأدمغة، فما كان منهم إلا أن استبدلوا صور صدام بصور رجال الدين، ورموز أهل البيت، لما لهم من قدسية في أنفس الشعب. فصرنا نرى بدل صدام في الجداريات الكبيرة التي تملأ شوارع العراق صور المراجع الدينيين وبدلاً من شعارات "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" شعار هذا الحزب أو تلك الكتلة .
إن علم نفس المجتمع يشير بوضوح، وبحسب نظرية ابن خلدون، إلى أن المغلوب يقلّد الغالب، إذ يقول: "إنّ المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك إن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها، .. كما هو الحال في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة، فإنك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم حتى في رسم التماثيل في الجدان والمصانع والبيوت حتى لقد يستشعر من ذلك الناظر بعين الحكمة إنه من علامات الاستيلاء والأمر لله"، وهي مقولة تفسر اقتداء الأحزاب والجهات السياسية التي حكمت العراق بعد صدام بأفعاله رغم إنها أضرت بالدولة العراقية وأفرغتها من معناها وجردتها من هيبتها، وأبرز ما قلدته هذه الأحزاب هو اعتمادها الحمايات الأمنية، وعلى الصور والشعارات الحزبية، بل وتقريبها للمتزلفين والمتملقين والوصوليين، الذين سرعان ما يتركون هذه الجهة ليتحولوا إلى جهة سياسية أخرى.
إن على مؤسساتنا العلمية والأكاديمية أن تدرس هذه الظواهر الفايروسية المهلكة التي تنخر جسد الدولة العراقية، وتشخصن الكيان الرسمي، وتحول دون إحداث أي تغيير في النشيد الوطني، أو علم البلاد أو شعار الدولة. فلنختطّ للعراق هوية مستقاة من روح الأمة لا من الرموز الدينيين والحزبيين مهما علا شأنهم، إذ ليست الدولة إلا نظاماً علميّاً عمَليّاً قائماً على المصلحة العامة، يجب ألا يتأثر بالظواهر الاجتماعية ولا السياسية، إلا بما يؤمن المستقبل السلمي للأمة كلها.

 

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0