تارةً أُخرى .. العائلة العراقية والسبب الجذري للفساد
عين نيوز


ناصر الحجاج
من البديهي القول إنّ أي محاولة للإصلاح أو للعلاج سيكون مصيرها الفشل، ما لم يسبقها إجراء تحليلات طبية أو علمية لمسببات المرض أو المشكلة، بحيث تتفق نظريات الإصلاح مع نظريات العلاج في ضرورة إخضاع المريض إلى فحص وتحليل شامل، للوقوف على أسباب وجذور المرض، وعدم الاكتفاء بالحكم على الأعراض الظاهرية له، وقد تتطلب هذه الطريقة المنهج الاستردادي، للعودة إلى أصل المشكلة ونواتها وسببها الأساس، وإن كان تافهاً في فترة من الزمن، وهذا ما يسمى بطريقة تحليل السبب الجذري Root cause analysis أو RCA والتي تتم بخطوات عدة تشمل: تشخيص ووصف الخلل أو الخطأ، وتحديد التاريخ الزمني من وقوع الخلل إلى تطور المشكلة واستفحالها، مع التمييز بين السبب الجذري والعوامل المساعدة، وما إلى ذلك، من رسم مسار الأحداث من أجل اتخاذ القرار التصحيحي الصائب.
يمكن وفق طريقة RCA النظر في الفساد المالي والإداري الخرافي في العراق، وتتبعُ المسببات للوصول إلى السبب الجوهري الذي انبثقت عنه الأسباب الفرعية والعوامل المساعدة؛ على شيوع الفساد، والسكوت عليه، والقبول به، ومن ثم التعايش معه، فالتفنن في "دروبه" وطرائقه، ومهاراته الشيطانية، إلى مرحلة الدفاع عن الفساد وتبريره، والدفاع عن الفاسدين وحمايتهم.
يشمل هذا التحليل المؤسسة الرسمية الكبرى التي نخرها الفساد، ابتداءً من البرلمان التشريعي الفاسد، والقوانين الانتخابية الفاسدة، التي أوصلت الفاسدين إليه، وقبل ذلك الأحزاب الفاسدة التي تشبه المستنقعات التي تبحث عن الطفيليين والرخيصين و"الفاسدين" ليكونوا أعضاء فاعلين فيها، توظفهم لخدمة مشاريعها الوطنية الفاسدة (الوطنية أي التي تتسع للوطن كله)، والاستمرار في تتبع السبب الجذري الذي يقف عند نواة الفساد، المتمثل في العائلة العراقية "الأسرة" التي ينشأ الفرد العراقي فيها، ويتربى على قيمها، ومن ثم يقبل ما تقبله العائلة، ويرفض ما ترفضه. حتى إذا عاش الفرد العراقي ثقافة الفساد في بيته، ومع أسرته، ورأى بنفسه "ربَّ البيت ناقراً بدفّ الفساد"، صار "يرقص"، كلما سمع نغمة الفساد من معلم في المدرسة، أو سياسي على منصة الدجل والتضليل، وصار "يلطم في كل عزاء" من خطيب على المنبر، أو إمام في صلاة جماعة.
لقد أهمل العراقيون النواة الأساسية التي يقوم عليها كيان الأمة، وهي "العائلة"، فلم تعد الجامعات ولا المدارس ولا المؤسسات المدنيّة معنية بتربية الأولاد ولا بإعانة الأبوين على المهمة التربوية الأساس التي ارتبطوا ببعضهم من أجلها. أما الإعلام والمراكز الثقافية فكأنها غير معنيّة بالعائلة، أو كأن العائلة ليست نواة الذوق الشعري والإحساس بالجمال. ولا تعويل على رجال الدين الذين يبحثون عن النطيحة والمتردية ليقرأوا عليهم مزامير الطائفية وندبيّات الفرقة الناجية، ليكملوا مشوار الفساد ويمهدوا الطريق للأحزاب الفاسدة لتستلم بضاعتها من الفاسدين، لتأتي الانتخابات بأسوأ ما في العراق من مفسدين.
إن السياسيين المفسدين الذين ترونهم "يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع" ما هم إلا نتاج لثقافة تلك الأسرة العراقية التي قصرت في تربية أبنائها. كما أن "الأحزاب" التي ترونها "تُفَرْهِد" المال العراقي يميناً وشمالاً، ما هي إلا مستنقع معدّ سلفا لإيواء الفاسدين الذين اعتادوا الفساد والخراب في بيوتهم. فالعائلة العراقية هي جذر شجرة الفساد الموغل في تربة فاسدة لا تأبه لموت الإنسان العراقي، ولا توقّر الكبير ولا تعطف على الصغير، أي أن المرض العراقي الذي أعراضه الفساد في كل المؤسسات هو مرض نفسي اجتماعي، تربوي أخلاقي، لا يمكن علاجه بقطع أغصان الفساد، بل ولا بقطع الشجرة كلها، لأن الأصل فيها العائلة، متى ما التفتنا إليها، وأعطيناها حقها من الميزانية العامة، لتنعم الأسرة بحياة طيبة ورخاء من العيش فأنها ستبقى تبيض وتفرّخ الفاسدين، وتستمر تمدّ مؤسسات الدولة بحاجتها من "القفاصة والعاوين الدايحين، والنـكَريّة"، الذين لا قيم لهم غير الإفساد في الأرض.
ما هو رد فعلك؟






