الجذر التاريخي للتجسس

عين نيوز

أبريل 18, 2018 - 12:29
 0
الجذر التاريخي للتجسس
بدون وصف


 حسين الصدر

- 1 -
لم تظهر الكاميرات الخفيّة الاّ مؤخراً ، ولم تكن الأجهزة الالكترونية للرصد والتسجيل موجودة ، فكان الحكّام يستعينون بالاحتيال والتجسس لمعرفة حقيقة أحوال الرجال..!!

- 2 -
ومن مشاهير ملوك بني العباس في هذا الباب (المأمون) العباسي، فإنه بذكائه وفطنته العالية، كان يبتكر الأساليب الكاشفة عن خفايا النفوس.. يصل الى ذلك عبر تكليف رجال معينين بمهمات تجسسيّة محضة ،يستطيع من خلالها معرفة الحقيقة..!!

- 3 -
ومن أهم القضايا في هذا المضمار قصة (عبد الله بن طاهر) الذي قيل للمأمون:
انه يوالي غيره..!!
وإنه هو وأبوه وجده يميلون الى الطالبيين ومعنى ذلك :
إن ولاءهم لأهل البيت (ع) وليس للعباسيين، فرسم المأمون خطة للوقوف على الحقيقة فماذا صنع ؟
دسّ رجلاً الى (عبد الله بن طاهر) وقال له:
{ امض في هيأة الغزاة والنسّاك الى مصر،
فادعُ جماعةً من كبرائها الى (القاسم بن إبراهيم بن طباطبا)،واذكر مناقبه، وعلمه، وفضائله، ثم صر بعد ذلك الى بعض بطانة عبد الله بن طاهر، ثم إئته فآدعه ورغّبْه في الاستجابة له ،
وابحث عن دقيق نيته بحثاً شافياً ، وائتني بما تسمع منه}
أقول:
وهذه مهمة تجسسية محضة ، قد نسجت خيوطها بامعان..!!
وبالفعل ذهب الرجل وفعل ما أُمر به أنْ يفعل، ودعا جماعة من الرؤساء والأعلام، ثم استطاع الدخول الى (عبد الله بن طاهر) وانفرد به ، بعد أنْ كان قد ناوله رقعةً كتبها له، فقال له (ابن طاهر):
قد فهمتُ ما في رقعتك من جملة كلامك ، فهاتِ ما عندك
قال:
ولي أمانُك ، وذمة الله معه ؟
قال:
لك ذلك
فأظهر له ما أراد،
ودعاه الى القاسم بن إبراهيم بن طباطبا )
وأخبره بفضائله وعلمه وزهده ، فقال له عبد الله بن طاهر:
أتنصفني ؟
قال: نعم
قال: هل يجب شكر الله على العباد ؟
قال:
نعم
قال:
فهل يجب شكر بعضهم لبعض عند الإحسان والمنّة والتفضل ؟
قال:
نعم
قال:
" فتجيء اليّ وأنا في هذه الحال التي ترى، أمري مطاع،
وقولي مقبول،
ثم ما إلتفت يميني ، ولا شمالي ، ولا ورائي وقدامي الاّ رأيت نعمةً لرجل أنعمها عليّ ، ومنّةً ختم بها رقبتي، ويداً لائحة بيضاء ابتدأني بها تفضلاً وكرماً فتدعوني الى الكفر بهذه النعمة ، وهذا الاحسان،
وتقول :
اغدر بمن كان أولاً لهذا وآخرا،
واسعَ في إزالة خيط عنقه ، وسفك دَمِهِ،
تراني لو دعوتني الى الجنّة عيانا من حيث أعلم، أكان الله يحب أنْ أغدر به، وأكفر إحسانه ومنته ، وأنكث بيعتَه ؟
فسكت الرجل
فقال له عبد الله بن طاهر :
أما أنه قد بلغني أمرُك، وتاالله ما أخاف عليك الاّ نفسك، فارحل عن هذا البلد ، فانّ السلطان الأعظم اذا بلغه أمرك، وما آمن ذلك عليك ، كنت الجاني على ظهركِ وظهر غيرك،فلما أيس الرجل مما عنده، جاء الى المأمون ، فأخبره الخبر ، فاستبشر وقال :
غرس يدي،
والف أدبي،
وترب تلقيحي،
ولم يُظهر من ذلك لأحد شيئاً ، وما علم به عبد الله بن طاهر الاّ بعد موت المأمون ...

- 4 -
أقول:
وكم هو الفرق بين (عبد الله بن طاهر) وبين (إبراهيم الداود) و(عبد الرزاق النايف) في غدرهما بولي نعمتهما (عبد الرحمن عارف) وتمهيد الطريق للعفالقة الأوغاد لاستلام السلطة في العراق في 17 تموز / 1968 ؟
وقد نالا جزاءَ غدرهما بهِ ، ونكثهما بما وعداه به من الإخلاص له ، والدفاع عنه حتى الرمق الأخير ..!!

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0