عندما يُصبح التواضع تهمة
في كل موسم سياسي أو ديني أو شعبي، تنتشر على وسائل التواصل مشاهد من دول الغرب تُثير إعجابنا

محمد النصراوي
في كل موسم سياسي أو ديني أو شعبي، تنتشر على وسائل التواصل مشاهد من دول الغرب تُثير إعجابنا، حيث نرى رئيس وزراءٍ يستقل وسيلة نقل عامة دون حرس، ووزيرًا يُحرَج في لقاء تلفزيوني، أو نائبًا يُقاطع في الشارع من مواطنٍ عادي.
فنُبادر إلى مشاركتها بتعليقات أشاد فيها بالـحرية، والشفافية، والديمقراطية الحقيقية، لنردد بانبهار:
"أنظروا كيف تُحترم الشعوب هناك!"
لكن هذا الـانبهار سرعان ما يتبخر حين نواجه مشهداً مشابهاً في بيئتنا. فما إن يجرؤ مسؤول أو شخصية عامة على كسر البروتوكول، ويتقدم بخطوة نحو الناس دون حواجز أو استعراض، حتى يُنظر إليه بشك، وربما يُستضعف، وتُفسر بادرته على أنها ضعف في الهيبة أو بحث عن مجد ضائع.
إننا في واقع الأمر لا نزال نعيش مفارقة صارخة:
-
نعجب بالحاكم المتواضع في الخارج،
-
ونستهين به إن خرج من بيننا.
-
نصفق لمن يتقبل النقد في الدول المتقدمة،
-
ونهاجم من يتقبله بيننا بوصفه "فاقدًا للهيبة".
بل إن بعض الجهات قد ترى في التواضع فرصة للانتقاص، وفي الصمت حقلًا للاستعراض والتجاوز.
المشكلة لا تكمن في المسؤول وحده، بل فينا نحن أيضًا.
حين يتعرض شخص عام لإساءة صريحة لأنه اقترب من الجمهور، دون أن تُقابل تلك الإساءة بموجة استنكار شعبي، فهذا مؤشر خطير على خلل في منظومة القيم الأخلاقية العامة.
وحين يُنظر إلى الحِلم باعتباره عجزًا، وإلى التسامح باعتباره خضوعًا، فهذا يعني أننا لا نحسن التعامل مع مظاهر الرقي السياسي إلا حين تأتي من الخارج.
في المجتمعات المتقدمة، لا ينبع احترام المسؤول من الخوف، بل من ثقافة القانون والمؤسسات.
أما في مجتمعاتنا، فكثيرًا ما ينبع من حسابات شخصية:
-
ما موقعه؟
-
ما سلطته؟
-
ماذا يستطيع أن يفعل؟
فإن تجرد من هذه العناوين، سقط في أعين البعض، حتى وإن بقي واقفًا في جوهره ومبادئه.
وهكذا يتكرس في الذهن المجتمعي أن:
-
الزعامة لا تُبنى على الحكمة، بل على الصراخ،
-
ولا تُقاس بقدرتك على الصمت، بل على الرد والانتقام،
-
ولا تُحتَرم إن نزلت من فوق، بل تُحتَرم فقط إن بقيت بعيدًا ومُهابًا.
فهل نحن نريد فعلاً قادة يشبهون أولئك الذين نعجب بهم في الغرب؟
أم أننا نحبهم فقط حين يكونون هناك، لا هنا؟
ما هو رد فعلك؟






