براغماتية موقف العراق تجاه سوريا ما بعد الأسد
وجد العراق نفسه محاطًا بـتحديات إقليمية متشابكة

محمد حسن الساعدي
منذ سقوط النظام السابق عام 2003، وجد العراق نفسه محاطًا بـتحديات إقليمية متشابكة، وأزمات داخلية مركبة، وواقع دولي مضطرب. في هذا السياق، سعت الحكومات العراقية المتعاقبة إلى اعتماد سياسة تقوم على التوازن في العلاقات الخارجية، مع محاولة إضفاء صبغة براغماتية على قراراتها، بما يضمن مصالح البلاد ويحفظ استقرارها.
إلا أن هذا النهج ظل محل اختبار دائم، في ظل الضغوط الإقليمية والتجاذبات الدولية المتواصلة، حيث تعتمد البراغماتية العراقية على مراعاة الواقع والتعامل مع الوقائع وفقًا للمصالح، وليس وفقًا للأيديولوجيا أو الاصطفاف المطلق.
في هذا الإطار، حاول العراق الحفاظ على علاقات متوازنة مع محيطه، فمدّ جسور التعاون مع:
-
إيران باعتبارها جارًا مؤثرًا،
-
ونسّق مع تركيا في ملفات المياه والأمن،
-
وانفتح على الدول الخليجية لتأمين الدعم الاقتصادي والاستثماري،
-
كما حافظ على تواصله مع الولايات المتحدة رغم انسحاب قواتها القتالية،
-
وعزز علاقاته مع الصين وروسيا.
لعب العراق دوراً مفصلياً في الأزمة السورية، إذ دخل على خط الأزمة بسرعة من أجل تخفيف وطأة المتغيرات على الأرض دون أن يشعر بها المواطن السوري. ويُعد العراق شريكًا رئيسيًا في نجاح عملية انتقال السلطة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وتلتزم بغداد ودمشق بتعزيز العلاقات بينهما رغم اختلافاتهما السياسية والأيديولوجية، وهو نهج عملي نابع من حرص العراق على التعايش السلمي مع جيرانه وأن يمارس دوره في تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة. هذا النهج أيضاً يأتي من الشعور بـالتهديدات الأمنية العابرة للحدود الوطنية المشتركة للبلدين، بما في ذلك عودة ظهور داعش سواءً على الجبهة الداخلية السورية أو على الحدود الموازية.
رغم أن العراق وقف ضد نظام الأسد بعد 2003، إلا أنه قرر الانضمام إلى جهود الأسد في حربه ضد داعش في 2011، ومن بعدها دعم النظام السوري.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قبل أسبوع من انهيار نظام الأسد داعماً له، لكن تغيّر خطاب السياسيين العراقيين بعد الانهيار، وبقي الشعب العراقي مختلفًا في نظرته إلى الشرع وهيئة تحرير الشام التي تعتبر منظمة إرهابية.
بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق، تكيفت القيادة العراقية بسرعة مع واقع سوريا الجديد، وأعاد كبار المسؤولين ضبط خطابهم لدعم الانتقال السوري وتمهيد الطريق لعلاقات مستقرة.
بالمقابل، سعى النظام السوري الجديد إلى طمأنة العراق بالتزامه بحماية المجموعات الدينية والعرقية في سوريا والحفاظ على علاقات سلمية مع الدول المجاورة.
مكونات الشعب العراقي اختلفت في نظرتهم إلى الشرع، بين مراقب وموافق، وهناك في الوقت نفسه من يرون ضرورة تطبيع العلاقات مع دمشق.
أما الأكراد، فيعتقدون أن أي تطبيع مع دمشق من شأنه تحسين أوضاع السكان الأكراد في سوريا، ما يزيد من تعقيد هذه الديناميكيات، خصوصًا مع الاستعدادات الجارية لإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، ولم يتضح بعد الدور الذي ستلعبه قضية علاقات العراق مع سوريا ما بعد الأسد في نتائج التصويت.
قد تبرز قضية دور العراق في مستقبل سوريا كقضية مهمة في السياسة العراقية، حيث يقدم المرشحون رؤى متفاوتة حول سياسة العراق تجاه سوريا.
وضعت بغداد ضمن أولوياتها مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود بسبب الأضرار التي خلفها تنظيم داعش إلى جانب نشاط تجارة المخدرات عبر الحدود.
العراق جاد في البحث عن منافذ لمصادر الطاقة عبر ميناء بانياس من كركوك والحاجة إلى المياه.
وعلى الرغم من أن الحكومة السورية الجديدة تمثل تحدياً للعراق، إلا أن بغداد يمكن أن تستفيد من علاقة مستقرة قائمة على الاحترام المتبادل مع دمشق، إذ توجد مجالات كثيرة للتعاون إذا ما نجح البلدان بتجاوز نقاط التوتر، ويمكن أن تصبح هذه العلاقة حجر أساس في حماية الملف الأمني بين الدولتين من خلال تمتين العلاقة الاقتصادية، بما يحقق نوايا العراق في استقرار المنطقة ككل ويصد محاولات تغيير الخارطة بأهداف خبيثة.
يقف العراق اليوم على مفترق طرق حرج، مطالبًا بالحفاظ على نهجه التوازني دون أن يكون رهينة للضغوط الخارجية أو الخلافات الداخلية.
البراغماتية التي ينتهجها يجب أن تكون قائمة على رؤية استراتيجية واضحة تعلي من مصلحة الدولة لا مصالح الأطراف.
فالتحول من التوازن السلبي إلى الحياد الإيجابي، ومن البراغماتية التكتيكية إلى السياسة الواقعية القائمة على السيادة، هو التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة.
ما هو رد فعلك؟






