حين يصبح الخبز أخطر من القذيفة

في القرن الحادي والعشرين، وفي وضح النهار، تُفرض مجاعة قسرية على قطاع غزة

 0
حين يصبح الخبز أخطر من القذيفة

بقلم: محمد النصراوي

مجاعة مصنّعة تحت مرأى العالم

في القرن الحادي والعشرين، وفي وضح النهار، تُفرض مجاعة قسرية على قطاع غزة، ليست بفعل الجفاف أو الزلازل، بل مجاعة مصمّمة بعناية، تُدار من خلف نقاط التفتيش العسكرية وشاشات المراقبة، في مشهد يفضح ازدواجية ما يُسمى بـ"العالم المتحضّر".

منذ أكتوبر 2023، ومع اندلاع الحرب، فرضت إسرائيل حصاراً شاملاً على غزة: لا كهرباء، لا وقود، لا ماء، ولا طعام. ومع مرور الوقت، لم تعد القذائف وحدها تقتل الناس، بل الجوع الصامت، الذي لا ترصده الأقمار الصناعية، ولا توثّقه كاميرات البنتاغون، لكنه أشد فتكاً من أي سلاح تقليدي.

كارثة غذائية موثّقة بالأرقام

بحسب تقارير الأمم المتحدة، يعيش أكثر من نصف مليون إنسان في غزة ضمن المرحلة الخامسة من انعدام الأمن الغذائي، وهي مرحلة تُعرف علمياً باسم "الكارثة"، حيث يتحول "الجوع" من توصيف مجازي إلى واقع علمي قاتل.

  • أطفال يموتون من سوء التغذية

  • آباء يعودون خاليي الوفاض من طوابير المساعدات

  • أمهات يغلين الماء لخداع أطفالهن بأن شيئاً ما يُطهى

كل هذا يحدث، والهيئات الأممية تصرخ، ومحكمة العدل الدولية تطالب بـتدابير فورية وفعالة، لكن الواقع لا يتغير.

الخبز.. هدف عسكري

حتى رغيف الخبز تحوّل إلى هدف عسكري. المساعدات ـ إن وصلت ـ تمر عبر ساعات من التفتيش، تُقيد بالكميات والمواقع، وأحياناً تُطلق عليها النار، لتُصبح قوافل الطحين مشاهد للموت لا للحياة.

ما يُثير الذهول هو أن كل شيء معلن، ولا يخفى على أحد، ومع ذلك تكتفي العواصم الغربية بـ"الإدانة"، دون أي خطوات عملية لمنع استمرار استخدام التجويع كسلاح حرب.

هل تحوّلت المجاعة إلى "سياسة مقبولة"؟

السؤال الأخطر: هل أصبحت المجاعة سياسة مقبولة؟ طالما نُفذت بصمت، وبجرعات بطيئة، أو إذا كانت الجهة المنفّذة هي إسرائيل؟! يبدو أن الجرائم تُقاس بهوية الجاني، لا بحجم المأساة.

أمام هذه الإبادة البطيئة، يتساءل كثيرون:

  • كيف نُسمي قتل الإنسان عبر منعه من الطعام؟

  • هل هي جريمة حرب؟

  • أم مجرد "عملية أمنية معقّدة" كما تسميها بعض الحكومات؟

  • وهل يجوز لمدينة أن تختنق حتى الموت، بينما مجلس الأمن ينتظر "توافق الدول الخمس"؟

غزة تطلب الحياة لا المعجزات

في غزة، لا أحد يطالب بالمعجزات. كل ما يُطلب هو الحق في الحياة، أن يُسمح للأطفال بأن يأكلوا، أن لا يموتوا بحثاً عن وجبة. فـالخبز في غزة أصبح رمزاً للموت البطيء.

السؤال لم يعد: هل هناك مجاعة؟
بل: كم سيموت قبل أن يتحرك العالم؟
وهل تأخرنا عن اللحظة التي لم يعد للجوع فيها دواء؟

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0