بعد 65 عاماً من التمركز الدائم...فرنسا تُنهي وجودها العسكري في السنغال

أعلنت فرنسا، يوم الخميس، إنهاء وجودها العسكري الدائم في السنغال بعد أكثر من ستة عقود من التمركز المستمر

 0
بعد 65 عاماً من التمركز الدائم...فرنسا تُنهي وجودها العسكري في السنغال

وكالة عين للانباء - تقارير

أعلنت فرنسا، يوم الخميس، إنهاء وجودها العسكري الدائم في السنغال بعد أكثر من ستة عقود من التمركز المستمر، في خطوة تُعد تحولاً كبيراً في الاستراتيجية الدفاعية الفرنسية في غرب أفريقيا، وامتداداً لقرارات مشابهة اتخذتها باريس خلال السنوات الأخيرة في دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وجاء هذا الإعلان خلال مراسم رسمية في العاصمة دكار، سلّمت خلالها القوات الفرنسية آخر قاعدة عسكرية للقوات السنغالية، بحضور عدد من كبار القادة العسكريين من البلدين.


"نقطة تحول تاريخية" في العلاقات العسكرية الثنائية

وخلال المراسم، وصف الجنرال مبايي سيسي، رئيس أركان القوات المسلحة السنغالية، الحدث بأنه "نقطة تحول مهمة" في تاريخ التعاون العسكري بين باريس ودكار، مشيراً إلى أن هذا الانسحاب جاء بعد أشهر من المحادثات الودية التي ركزت على إعادة تنظيم العلاقة الأمنية على أسس جديدة.

وأكد سيسي أن البلدين "حددا أهدافاً جديدة لتعزيز الشراكة الأمنية" دون الاعتماد على وجود عسكري دائم، ما يعكس نهجاً أكثر توازناً واستقلالاً في العلاقات الدفاعية.


تغيير هيكلي في الوجود الفرنسي بأفريقيا

من جانبه، أشار الجنرال باسكال ياني، رئيس قيادة الجيش الفرنسي في أفريقيا، إلى أن ما يجري هو تغيير هيكلي ضروري في الوجود العسكري الفرنسي في القارة، لافتاً إلى أن بلاده "لم تعد بحاجة إلى قواعد دائمة" لتحقيق أهدافها الأمنية، بل إلى شراكات مرنة وقابلة للتطوير.

وأضاف: "نحن بصدد إعادة صياغة علاقاتنا في أفريقيا بطريقة مختلفة، تتماشى مع التحولات الجيوسياسية واحتياجات شركائنا الإقليميين".


نهاية رمزية لتاريخ عسكري طويل منذ الاستقلال

يعود تمركز القوات الفرنسية في السنغال إلى عام 1960، وهو العام الذي نالت فيه البلاد استقلالها من الاستعمار الفرنسي. ومنذ ذلك الوقت، كان الوجود العسكري الفرنسي يستند إلى اتفاقيات دفاع ثنائية شملت تقديم الدعم اللوجستي والتدريب وبناء القدرات للجيش السنغالي، خصوصاً خلال المرحلة بين عامَي 1960 و1974.

وحتى موعد التسليم النهائي، كان 350 جندياً فرنسياً يعملون ضمن مهام تعاون عسكري عملياتي مع القوات السنغالية، لكن عملية الانسحاب الفعلية بدأت في مارس الماضي، وتم منذ ذلك الحين إعادة منشآت عسكرية عدة للسلطات السنغالية.


جيبوتي تبقى المعقل الوحيد لفرنسا في القارة

بإنهاء التمركز في دكار، تصبح جيبوتي، الدولة الصغيرة في القرن الأفريقي، القاعدة العسكرية الفرنسية الدائمة الوحيدة في أفريقيا. وتعتزم باريس تحويل قاعدتها هناك، التي تضم نحو 1500 جندي فرنسي، إلى مقرها العسكري الرئيسي في القارة.

هذا التغيير يأتي وسط تحولات إقليمية كبرى وتصاعد التوترات الأمنية في منطقة الساحل، حيث تواجه فرنسا انتقادات شعبية وسياسية متزايدة بشأن دورها العسكري، خاصة بعد الانقلابات الأخيرة في دول الساحل الأفريقي، واتهامات بالتدخل أو الفشل في كبح الجماعات المتطرفة.

انعكاسات الانسحاب: نهاية "النفوذ التقليدي" أم بداية لشراكة جديدة؟

يمثل انسحاب فرنسا من السنغال أكثر من مجرد تحرك عسكري؛ إنه إشارة واضحة إلى تراجع نموذج النفوذ التقليدي الفرنسي في أفريقيا، الذي كان يعتمد لعقود على التمركز العسكري والدعم الأمني المباشر. في المقابل، تسعى باريس اليوم إلى إعادة صياغة علاقاتها مع الدول الأفريقية على أساس التعاون المتكافئ، وسط صعود قوى دولية منافسة مثل روسيا وتركيا والصين، وتزايد مطالب الشعوب الأفريقية بالاستقلالية في القرار الأمني والسيادي.

لكن هذا التحول لا يخلو من التحديات، إذ يُطرح سؤال جوهري حول قدرة فرنسا على الحفاظ على دور فاعل في أفريقيا دون وجود مادي دائم، خاصة في ظل تصاعد المخاطر الإرهابية وتدهور الأوضاع الأمنية في الساحل.

وبينما تضع باريس ثقتها في "الشراكات المرنة"، تبقى فعالية هذا النموذج رهناً بمدى استعداد الدول الأفريقية لتقبّله، وبقدرة فرنسا على ترجمته إلى نتائج ملموسة تُقنع شركاءها بأنها لا تزال حليفاً يمكن الاعتماد عليه، ولكن هذه المرة بشروط جديدة.

يقول الباحث الفرنسي في شؤون أفريقيا، إيتيان هارفي، إن هذا التحول "لا يعكس انسحاباً كاملاً بقدر ما يشير إلى تبدّل في قواعد اللعبة، حيث أصبحت فرنسا مضطرة للتفاوض على وجودها بدلاً من افتراضه"، مشيراً إلى أن "المناخ الشعبي والسياسي العام في غرب أفريقيا بات أقل تسامحاً مع الوجود الأجنبي".

وتكشف بيانات صادرة عن معهد الدراسات الاستراتيجية الدولي (IISS) أن عدد القواعد الفرنسية الدائمة في أفريقيا تقلص من 10 قواعد عام 2013 إلى قاعدة واحدة فقط في جيبوتي بحلول منتصف 2025، وهو ما يعكس حجم التحول الهيكلي في الاستراتيجية الدفاعية الفرنسية.

وبينما تراهن باريس على "التأثير الذكي" بدلاً من القوة الخشنة، يبقى نجاح هذا النموذج رهناً بقدرتها على بناء ثقة جديدة مع شركائها الأفارقة، في سياق يشهد تصاعداً في التهديدات الأمنية، وتزايد مطالب الشعوب الأفريقية بالسيادة الحقيقية.

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 1
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0