نافذة من موسكو..مكافحة الفساد الحكومي: جوانب من التجربة الروسية

عين نيوز

مارس 3, 2019 - 12:42
 0
نافذة من موسكو..مكافحة الفساد الحكومي: جوانب من التجربة الروسية
بدون وصف


د. فالح الحمـراني     

هزّت عملية إلقاء رجال جهاز المخابرات الفيدرالي (في أس بي) القبض على عضو مجلس الفيدرالية ( المجلس الأعلى للبرلمان الروسي) رؤوف اراشوكوف في 30 كانون الثاني/ يناير، أوساط الرأي العام في روسيا الاتحادية، ليس فقط لأنها العملية الأولى في تاريخ البرلمان الروسي التي يتم إلقاء القبض على نائب خلال اجتماع المجلس الموقر وحسب، بل لأنها كشفت مرة أخرى عن تورط مسؤولين كبار في الفساد الحكومي، واستعداد الدولة لملاحقة المتورطين من دون الأخذ بالاعتبار مناصبهم الحكومية، ولا انتماءاتهم الحزبية والفئوية والقومية. فرؤوف اراشوكوف وهو أصغر برلماني في المجلس الفيدرالي، يمثل جمهورية كاراتشايفو ـ تشيركسيا الواقعة في شمال القفقاز.
والقي القبض على اراشوكوف بعد أن تم تجريده من الحصانة البرلمانية بطلب من النيابة العامة الروسية و ألقى رجال الأمن القبض عليه مباشرة خلال سير الجلسة البرلمانية في مبنى مجلس الفيدرالية. وحسب مذكرة لجنة التحقيقات الروسية فقد توفرت الأدلة اللازمة لمشاركته في ارتكاب جرائم بشعة، وتصب كلها في مفهوم الفساد الحكومي.
وتُعَرف الانسكولوبيديا السياسية الروسية الفساد الحكومي بانه نشاط إجرامي في مجال السياسة، ينحصر في استعمال المسؤولين الحقوق التي يتمتعون بها وإمكانات السلطة التي بيدهم، بهدف الإثراء الشخصي. ومن المظاهر النمطية الأكثر شيوعيا للفساد الحكومي هي برطلة المسؤولين وتقديم الرشوة لهم، من أجل تحقيق مصلحة مشروعة أو غير مشروعة والامتيازات والحماية : ترقية الموظفين على أساس القرابة والمنشأ الجغرافي المشترك، والولاءات الشخصية، وعلاقات الصداقة. وتعزو الانسكلوبيديا من بين أسباب أخرى استشراء الفساد الحكومة تنامي واتساع البيروقراطية وتحولها إلى شريحة اجتماعية خاصة، تحظى بامتيازات السلطة.
وخشيت النيابة العامة من أن يغادر اراشوكوف روسيا إلى الإمارات حيث يمتلك فيها حق الإقامة الدائمة لذلك عجلت بالإلقاء القبض عليه، وكشفت التحقيقات عن اراشوكوف لم يمارس الفساد الحكومي بمفرده فقد وقفت الى جانبه شبكة كاملة يقف على رأسها والده راؤول أراشوكوف مستشار مدير مؤسسة " ميجريغيون غاز" بتهمة ارتكاب جرائم مالية ويتهمه بتشكيل شبكة أجرام منظم وسرقات مالية بحجوم كبيرة ودعم عمليات سرقة الغاز الطبيعي من شركة "غاز بروم" بمبالغ تقدر ب 30 مليار روبل.
وحسب مواد "محكمة منطقة باسمني" في موسكو فان القضية الجنائية التي أثيرت ضد اراشوكوف والمتورطين معه على أساس تقرير مدير إدارة الأمن الاقتصادي في المخابرات الفيدرالية الروسية إيفان تكاتشوف. وتشتبه التحقيقات بان أفراد المجموعة ارتكبوا كذلك جرائم قتل، راح ضحيتها منافسين لهم أو شخصيات حاولت فضح أنشطتهم غير المشروعة. وطالت الاعتقالات شخصيات تشغل مناصب رفيعة في مؤسسات إنتاج وتسويق الغاز الطبيعي.
وتأخذ عملية مكافحة الفساد في روسيا طابعاً مستديماً ومتواصلاً وليس منحى عمليات موسمية ذات طابع دعائي. ويقول الناطق الصحفي باسم الرئاسة الروسية دمتري بيسكوف بهذا الصدد: إن قضية النائب عضو مجلس الفيدرالية عن جمهورية كارتشايفو ـ تشيركيسي رؤوف اراشوكوف ـ ليست بعمل منفرد أو حملة ذات طابع دعائي. وإنها تأتي في إطار عمل يومي مخطط له في مجال مكافحة الإرهاب، ضد الخارجين عن القانون.
وإلى جانب قضية اراشوكوف كان لفضائح تورط كبار من المسؤولين في الفترة الأخيرة تداعيات وأصداء لم تقل سعة. ففي كانون الأول 2017 قضت محكمة في موسكو بالحبس على وزير التنمية الاقتصادية السابق ألكسي اولوكايف لفترة ثماني سنوات وغرامة قدرها 130 مليون روبل. وأدانت المحكمة الوزير السابق في استلام رشوة بمقدار مليوني دولار من رئيس شركة " روس نفط " ايغور سيتشين. ولم يعترف الوزير السابق بذنبه، وقال إنه أصبح ضحية لاستفزاز. وعلى حد قول اولوكايف إن انه اعتقد بوجود هدايا في الحقيبة التي سلمها لها سيتشين، وليست نقود.
وقضت المحكمة أيضاً بوضع يد الدولة على ممتلكات اولوكايف. وعلى وفق بيانات لجنة التحقيق فقد تمّ وضع اليد على 15 وحدة عقار وما يقارب من 564 مليون روبل. وأعلن مؤخراً عن رفع الدولة يدها عن تلك الممتلكات وإعادتها الى اوليكايف.
فضلاً عن ذلك صدر قبل ذلك الحكم بالحبس لمدة ثمانية سنوات بالأعمال الشاقة، على حاكم إقليم كيروف نيكيتا بيليخ . وتؤكد التحقيقات أن بيليخ قدم تسهيلات لشركتين تعملان في إقليم كيروف، وإنه استلم منها لقاء ذلك رشوة بمقدار 600 ألف يورو . وألقي القبض على بليخ في حزيران / يونيو 2016 أثناء تواجده في موسكو خلال استلامه كيس من مثلي احدى الشركتين، يحتوي على 150 ألف يورو.
وقال عضو مجلس الفيدرالية والمحلل السياسي المعروف ألكسي بيشكوف إن مكافحة الفساد في روسيا يرتقي إلى مستوى نوعي جديد. وأشار بذلك إلى وقائع إثارة القضايا الجنائية ضد عدد من المحققين والقضاة ومن النيابة العامة. وبرأيه إن هذا الاتجاه تشير إلى أن القصاص والعقوبات تطال كل من ينتهك القانون ويخرج عنه بغض النظر عن منصبه ومنحدره.
وأعلن رئيس لجنة التحقيق في روسيا الكسندر باستريكين في اجتماع أعضاء اللجنة في الأول من آذار/ مارس: إن الدولة صادرت في العام الماضي اكثر من 3.5 مليون روبل. وأكد إن مكافحة الفساد الحكومي اتجاه أولوي في عمل لجنة التحقيق في روسيا الاتحادية. ويشير الخبراء إلى أن القضايا التي تصل إلى المحاكم، تنتهي عادة بإصدار أحكام إدانة على المتورطين. وحسب بيانات بارستريكين فقد أثيرت في العام الفائت اكثر من 17 ألف قضية تتعلق بالفساد الحكومة واكثر من 8 ألف منها تتعلق باستلام الرشاوى.
وخضع للتحقيق في هذه القضايا 505 أشخاص، يحظون بصفة قانونية. من بينهم رؤساء إدارات مناطق سكنية (158) ونواب مجالس تشريعية مختلفة المستويات (120) ومحامين ( 75)، وأعضاء لجان انتخابية (61) ومحققين في وزارة الداخلية (59) ومن الإدعاء العام (12) وقضاة (4).
وقال رئيس مؤسسة " المحامون والبزنس" دمتري شتوكاروف إن قضية الفساد كانت دائماً حادة في روسيا. وعلى حد قوله ينبغي الحديث عن العمل البنيوي في مكافحة الفساد، وإن الاعتقالات الصاخبة للموظفين الحكوميين ومنتسبي أجهزة حفظ النظام لا تغدو في هذه الحالة غير جبل جليدي عائم على السطح.

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0