"مسجد الملكة صفية" في قلب القاهرة.. حين خلّدت سلطانة عثمانية ذكراها على جدران التاريخ
من جارية إلى سلطانة نافذة.. حكاية امرأة صنعت مجدها بالحيلة والدهاء

عين للأنباء – تقارير خاصة
في زقاق ضيّق من حواري الدرب الأحمر العتيقة، يتصدر مشهدًا معماريًا فريدًا "مسجد الملكة صفية"، الذي لا يحمل اسم رجل كما اعتادت مساجد القاهرة، بل اسم امرأة خلدها التاريخ العثماني بجرأتها ودهائها. إنها السلطانة صفية، إحدى أقوى نساء الحريم في بلاط إسطنبول، والتي كتبت اسمها على صفحات السياسة والعمران.
من قاع الأسر إلى عرش الحريم
وُلدت صفية في البندقية، وأُسرت في صغرها ثم بيعت في سوق الجواري، لتصل إلى قصر السلطان مراد الثالث. لم تكن الأجمل، لكن ذكاءها اللافت وحضورها المرح جعلاها الأقرب إلى قلب السلطان.
أنجبت له محمد الثالث، وأصبحت السلطانة الأم عند توليه الحكم، لتصبح المرأة الأقوى في الدولة العثمانية، وتحكم من خلف الستار.
دهاء سلطانة.. وسقوط الأمراء
حين توفي مراد الثالث، سارعت صفية لتأمين عرش ابنها. وبحسب ما ترويه المصادر، أمرت بخنق 18 من إخوة السلطان الجدد، تنفيذًا لعادة عثمانية قاسية تحفظ وحدة الحكم.
صنّف المؤرخون ذلك الحدث كدليل على شدة نفوذها ودموية السياسة داخل القصر، حيث كانت صفية تحرّك الخيوط كما تشاء.
مسجد في القاهرة.. توقيع نسائي خالص
في ذروة نفوذها، أرسلت مملوكها عثمان أغا لبناء مسجد باسمها في حي الداودية بالقاهرة، في مزيج معماري مذهل بين الروح المملوكية والطابع العثماني.
ويصف علي باشا مبارك المسجد بأنه تحفة معمارية ذات قبة شاهقة وأعمدة رخامية وصحن فسيح، ومئذنة عثمانية الطراز ذات شكل مخروطي، فيما تميزت قاعة الصلاة بنوافذ ملونة تملأ المكان ضوءًا روحيًا.
وقفية مثيرة للجدل
حاول المملوك نسب المسجد لنفسه، لكن صفية وكلت عبد الرزاق أغا لمقاضاته، وأثبتت في المحكمة الشرعية أن الوقف صادر عنها. فأصبح المسجد رسميًا من أوقافها، تأكيدًا على قدرتها على فرض الحق بقوة القانون والدهاء.
من الأسْر إلى الخلود.. صفية في كتب التاريخ
وصفتها زينب فواز في كتابها "الدر المنثور" بأنها ذكية، ذات هيبة، كثيرة الإنفاق في الخير. وذكرت مصادر عدة أنها لعبت أدوارًا سياسية محورية إلى جانب نساء أخريات كـ نوربانو وكوسم سلطان في ما سُمي بـ"سلطنة الحريم".
مسجد يتحدى الزمن
رغم مرور 400 عام، ما زال مسجد الملكة صفية شاخصًا في الدرب الأحمر، شاهدًا على عصر تداخل فيه الطموح النسائي بالفن السلطاني. يقصده عشاق التاريخ والعمارة الإسلامية، ليقرأوا فيه فصول امرأة نحتت مجدها على الحجر.
ما هو رد فعلك؟






