تارةً أُخرى .. إعادة إعمار الإنسان العراقي

عين نيوز

فبراير 27, 2019 - 12:23
 0
تارةً أُخرى .. إعادة إعمار الإنسان العراقي
بدون وصف


ناصر الحجاج 

لا شكّ في أن الاستثمار الحقيقي الأكثر أرباحاً هو استثمار الطاقات الإنسانيّة، وأن قوة الأمة تكمن في إنسانها قبل عمرانها، وهذا بالتحديد ما يجعل مهمة صناعة الإنسان والارتقاء بقواه النفسية والروحيّة مهمة ثقافية شاقة تتطلب اعتماد العلم والوقت وبذل الجهد، وتتطلب اشتراك القوى المعرفية للشعب في حملة إعمار الإنسان لتكون أساسا متينا لإعمار البنيان، فالمدينة الشاهقة البناء "أرض خراب" ـ بتعبير ت. س. إليوت ـ ما لم تنبعث في شرايينها روح الإنسان.
أقرأ مقالات عراقية، هي أشبه شيء بمزامير داود، أصنّفها على أنها محاولات ثقافية في "إعادة إعمار العراق" مقالات لعدنان حسين أو علي حسين ولزملاء وشركاء آخرين في المعركة المعرفية التنويرية، تهدف كلها إلى فرك الصدأ عن جوهرة الذائقة العراقية التي تراكم عليها غثاء التديّن السياسي والطائفية الحزبيّة، وأخرى لإزالة ركام النفايات الثقافية التي خنقت المدينة المعرفية العراقية فحوّلتها إلى مستنقعات يعلوها نقيق ضفادع الثقافة وتفوح منها روائح طفيليات الكراهية وفيروسات الذلّة، فيما يحاول كتّاب آخرون ترميم حطام الهوية العراقية التي دمرتها صواريخ الأطماع الخارجية، التي تريد تحويل جنائن بابل وشناشيل البصرة وبغداد إلى مزارع شاسعة لفطريات الجهل السامّة، وتوظيف الإنسان العراقي مديراً لمزرعة الحيوان التي تحدّث عنها جورج أورويل، مزرعة عراقيّة الكائنات، يُصدّر لها العلف المعدّل تراثيّاً والمحرّف ثقافيّاً.
تلك جهود تنويرية تثقيفية قيّمة، وما أكثر قيمة من نور!، إلا أن مقالاتنا وكتاباتنا إن لم تبلغ مرحلة القيام بحملة وطنيّة لإعادة إعمار الإنسان العراقي ثقافياً، ستبقى أشبه بممسحة الأخ علي دوّاي أمام سيول فيضانات الأمطار الكبرى التي تهدد الكيان العراقي بالانقراض، لأن إعادة إعمار الإنسان تشبه إلى حدّ بعيد إعادة الحياة إلى جسده في غرفة الإنعاش، حتى كأن إعادة الإعمار الثقافي هي إعادة الأعمار، وكم راح من عُمْر العراق في ظل الخراب!
حين يدرك الصحفي العراقي إنه عازف ماهر ضمن سيمفونيّة إعادة إعمار الإنسان، سيجد نفسه ملزماً بقراءة المعزوفة جيداً، وبأن يضبط إيقاع نغماته وحركة يديه وأنفاسه مع إيقاع الفرقة الموسيقية والكورس التنويري كله، وبأن يقرأ ما يكتب رفاقه في معركة الحياة، وأن يستكمل في حلقاته الإعلامية بقية ملامح الصورة، يكتب الأول، فيستضيف الثاني في برنامجه من يكملون رسم صورة الحدث، فيتابع البرلماني استضافة من يوضحون ما جرى بالضبط، فيعرف الشعب ما عليه فعله، ويتابع القضاء تحقيقاته بنزاهة، لتكتمل المعزوفة بتحقيق العدالة المنشودة لحياة الجسد العراقي بعد إخراجه إلى النور من غرفة الإنعاش.
أليس على سائر وسائل الإعلام العراقية أن تستغل عشرات الآلاف من الطاقات العلميّة والمعرفية والمهنيّة والقانونية لدعم جهود إعادة إعمار الإنسان العراقي ثقافياً، فقد وُجد الإعلام لنقل المعلومة، ولإعلامِ الأمة بما يجري لها وضمنها وبكل ما يعنيها، مع ما في ذلك "الإعلام" من محاولات التثقيف والتنوير والتوعية.
العراق أحوج ما يكون إلى إعادة إعمار الإنسان معرفيّاً، وتلك مهمة ثقيلة صعبة طويلة الأمد، يتحمل مسؤوليتها أولاً وزارات التربية والتعليم والثقافة ومراكز الأبحاث. ومن ثم فهي مسؤوليّة تقع على المثقفين المتعلمين كلهم، شرط أن يعرف المشاركون في هذه الحملة أن جهودهم مهما صغرت، ستشكل في مجموعها، اتجاهاً إنسانيّاً ثقافياً قادراً على صناعة بيئة سليمة صحيّة كفيلة بأن تشعر بمن يريد العمل لأجل العراق بالارتياح أن جهوده لن تذهب سدى، ولن تُسرق وتتحول إلى جيوب مافيات الفساد ومصارفهم، فإن كفة المفسدين لن ترجح ولن يموت الإنسان العراقي بفقر الدم الثقافي إلا إذا تخلى العاملون من أجل العراق عن دورهم في حملة الإعمار. فلنشارك جميعاً في حملة إعادة إعمار الإنسان العراقي!

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0