هل سندخل عصر الخلاص؟
لو نظرنا إلى حياة المجتمعات الصناعية المتقدمة خلال القرنين الأخيرين، سنلاحظ تغيرات عميقة عصفت بحياة تلك المجتمعات

كامل سلمان
عصر الخلاص... لكن من ماذا؟
هل سندخل عصر الخلاص؟
نعم، سندخل عصر الخلاص.
ولكن الخلاص من ماذا؟
هل هو الخلاص من الفقر والحرمان والمرض؟
الخلاص من الجهل والحروب والأنظمة الديكتاتورية؟
الخلاص من الظلم والحيف؟
الخلاص من الديانات والفكر الراديكالي والإرهاب؟
الخلاص من الاستعمار وهيمنة القوي على الضعيف؟
أكيد لا.
كل هذه الأحوال باقية مع بقاء الإنسان.
إذًا... الخلاص من ماذا؟
دروس من المجتمعات الصناعية
لو نظرنا إلى حياة المجتمعات الصناعية المتقدمة خلال القرنين الأخيرين، سنلاحظ تغيرات عميقة عصفت بحياة تلك المجتمعات، ثم سرعان ما انتقلت هذه التغيرات، ولو بشكل بطيء، إلى حياة المجتمعات الأخرى.
بسبب النهوض الصناعي الهائل، ازدادت احتياجات الإنسان إلى نتاجات الثورة الصناعية وفوران التكنولوجيا. فأصبحت هذه المتطلبات ضرورات حياتية يومية:
-
مطاعم الوجبات السريعة
-
أجهزة الهواتف النقالة
-
أجهزة الغسيل والتنظيف
-
المعطرات والمنبهات والمنشطات
-
الإنترنت
-
وسائل النقل السريعة
-
وغيرها كثير
هذه المتطلبات تحتاج إلى موارد اقتصادية مستمرة وغير منقطعة، ما يستوجب العمل المستمر، وأحيانًا العمل لساعات طويلة ومنهكة.
انعكاس العمل المستمر على الحياة الاجتماعية
هذا العمل المستمر يتطلب ساعات طويلة من الراحة والنوم، فبدأت نتائجه تنعكس على طبيعة الإنسان القديمة:
-
تقلص حضور المجالس والدواوين التي كانت تملأ أوقات الفراغ
-
تقلص تبادل الزيارات العائلية ولقاء الأصدقاء
-
تراجع سهر الليالي إلى درجة كبيرة
هذه المؤثرات أثّرت في النشاطات الفكرية للإنسان. لم يعد إنسان المجتمعات المتقدمة يبحث عن:
-
الأفكار الثورية
-
التجمعات الدينية
-
المجالس الترفيهية مثل المقاهي والكازينوهات
إلا في عطلات نهاية الأسبوع أو في مناسبات محدودة جدًا.
مقارنة بمجتمعاتنا
هذه المجالس في مجتمعاتنا تمثل روح الحياة اليومية. وعندما تزول أوقات الفراغ بسبب الركض وراء العمل، ستموت وتضمحل معظم هذه النشاطات التي كانت مرتعًا للتنظيمات والأحزاب ونشر الأفكار، والتي لم تقدم شيئًا ملموسًا لحياة مجتمعاتنا.
ما انقرض تقريبًا في المجتمعات الصناعية، سيعصف بموجته مجتمعاتنا، شئنا أم أبينا.
كيف ستصل هذه الموجة إلينا؟
قد يسأل سائل: «مجتمعاتنا ليست صناعية، فكيف ستصل إليها هذه الموجة؟»
هناك عشرات الدول غير الصناعية التي أصابها الفقر والعوز بسبب:
-
الحروب
-
قلة الموارد
-
المجاعات
مثل:
-
فيتنام
-
لاوس
-
كمبوديا
-
بنغلاديش
-
وغيرها من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية
بسبب ضعف اقتصادياتها، أصبحت هذه الدول مادة شهية للشركات الغربية العملاقة لنقل معداتها إليها وتشغيل الأيدي العاملة الرخيصة.
التحول الاجتماعي في الدول الفقيرة
أصبح المواطن في تلك الدول الفقيرة ينتعش اقتصاديًا، ثم يبحث عن متطلبات الحياة الحديثة مثل حال الإنسان في الدول الغربية، وإن كان بدرجة أقل.
تغيّرت حياة مجتمعات تلك الدول تمامًا:
-
أصبح المواطن يبحث عن العمل والحياة الجديدة
-
زال وقت الفراغ
-
لم يعد ذاك المواطن الثوري الذي كان يتغنى بحياة «هوشي منه» لعشرات السنين
-
أصبح يتغنى بحياة الشركات الغربية والأمريكية العملاقة على أرضه
تغيّرت الأحوال وتخلّصت الشعوب من نمط حياتها القديمة وأصبحت مواكبة لحركة الحياة الجديدة.
التغيرات قادمة إلينا لا محالة
هذه الموجة من التغيرات ستعصف بمجتمعاتنا شئنا أم أبينا.
سيكون الفراغ حسرة على الناس والشباب.
عندها سيكون الخلاص من مجالس الفراغ التي كانت تُزق عقول الشباب بالخزعبلات بما يخدم مصالح فئات معينة.
عصر الخلاص الحقيقي
إذاً هو عصر الخلاص من:
-
مخلفات أفكار الفراغ وما كان ينتج عنها
-
العقليات الثورية العاطفية التي ترخص حياة الشباب وتدفعهم للموت
-
الاسترخاء المميت
-
مجالس الوعاظ وذكريات السلف الصالح
العالم كله صار في حال العمل والإنتاج، ينتظر ساعات الراحة فقط للنوم، ليبدأ يومًا جديدًا من العمل، يتصارع فيه مع حاجاته اليومية، ولا ينتظر يومًا جديدًا ليسمع سمفونية الخرافات التي تُعاد وتُكرر على مسامعه.
نحو مرحلة حياتية جديدة
التغيرات قادمة.
الخلاص سيكون من نمط الحياة الكلاسيكية الذي يعتمد على الجلوس لساعات طويلة في:
-
سماع المحاضرات والمواعظ
-
قضاء الساعات الطويلة في المقاهي
-
الزيارات العائلية الرتيبة وغيرها من الفعاليات الاجتماعية
أثر العولمة على الأفكار
هي مرحلة حياتية جديدة ستؤثر على الأفكار قبل الأحوال.
هذه هي ثوابت العولمة التي يتساءل عنها الناس.
إنه الخلاص من أسوأ ما ورثناه:
-
أن تكون طاقاتنا للفتن والحروب
-
أن تكون عقولنا بيد من يريد أن يسيرنا كيفما يشاء مستغلاً فراغنا الزمني والعقلي
كلمة أخيرة
فلنتذكر جميعًا:
إن المواطن الذي يتعب كثيرًا لنفسه ولعياله ولمجتمعه ولوطنه، سيعرف أن قيمة الحياة التي يعيشها لم تأتِ من فراغ، وحينها سيعرف كيف يحاسب الفاسد إذا فسد.
ما هو رد فعلك؟






