المبعوث الأمريكي الجديد للعراق… ووهم التغيير القادم

ستيفن ويتكوف

أكتوبر 26, 2025 - 18:05
 0
 المبعوث الأمريكي الجديد للعراق… ووهم التغيير القادم

 سمير عادل

عيّنت إدارة بايدن مبعوثًا أمريكيًا إلى العراق، على غرار المبعوثين الآخرين: ستيفن ويتكوف المكلّف بملف وقف الحرب في غزة وأوكرانيا، وتوماس برايد المكلّف بتعويم نظام أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقًا) وتأهيله في سوريا والمنطقة والعالم، ومورغان أورتاغوس المكلّفة بنزع سلاح حزب الله في لبنان وإعادة لبنان إلى محيطها بعيدًا عن النفوذ الإيراني.

ويُعدّ هذا التعيين، ولأول مرة في تاريخ الإدارات الأمريكية، خطوة غير مسبوقة من حيث عدد المبعوثين إلى الشرق الأوسط، ما يعكس وجود ملفات شائكة تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى إعادة دورها الإقليمي، وتعزيز نفوذها، وإعادة تموضعها في المنطقة.

إن إدارة بايدن تحاول اليوم ترميم مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي استراتيجية دشّنت ملامحها بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وتحوّلت إلى استراتيجية أمريكية جديدة بعد السابع من أكتوبر 2023، يوم أطلقت حركة حماس عمليتها العسكرية ضد إسرائيل في غلاف غزة.

وقد أطلق عليها الكاتب توماس فريدمان الديمقراطي في مقاله المعنون "عقيدة بايدن" المنشور في بداية شهر شباط/فبراير عام 2024 في صحيفة نيويورك تايمز، وهي الاستراتيجية التي تحاول إدارة بايدن اليوم بلورتها مجددًا، بالرغم من أن ترامب ينسب الفضل لنفسه في وضعها، عبر وضع عنوان جيد لها "السلام عبر القوة".

لقد أدّى التراجع الذي فُرض على النفوذ الإيراني في المنطقة بعد الهزيمة العسكرية لحزب الله، وتوقيع حركة حماس على شروط وقف إطلاق النار — الذي يمثل فعليًا إعلان هزيمتها السياسية والعسكرية بعد عامين من المماطلة على حساب دماء سكان غزة ومستقبلهم — إضافةً إلى سقوط نظام الأسد، وتداعيات الحرب الإسرائيلية–الإيرانية (بغض النظر عن المنتصر فيها)، إلى خلق بيئة إقليمية مهيّأة لإعادة تموضع النفوذ الأمريكي في المنطقة. لقد جاء ذلك بعد أن كانت الولايات المتحدة في الولاية الثانية لإدارة أوباما تخطّط لما سُمّي حينها بالانسحاب من الشرق الأوسط والتركيز على منطقة المحيط الهادئ لاحتواء خطر تمدّد الصين.

إيران اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التفاوض وتقديم تنازلات كبيرة بعد أن تمّ تقزيم أجنحتها وتطويق نفوذها، أو المغامرة بمواجهة جديدة قد تؤدي هذه المرة إلى إسقاط النظام السياسي برمّته.

المنطقة ما زالت حبلى بالمفاجآت غير السارة، بالرغم من المعزوفات السمفونية التي تعزف عليها إدارة بايدن بأن عصر السلام بات يحلّ على المنطقة عبر القوة الأمريكية، ومع ذلك، فإن عامل الفوضى الأمني والسياسي ما زال قائمًا ومؤثرًا، وتبقى إسرائيل أحد محركاته الرئيسية، إذ تواجه اليوم أقطابًا إقليميين جُددًا في مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي بشّر به نتنياهو وفتح الطريق أمام بزوغ فجره، حيث لم تعد إسرائيل اللاعب الأقوى، بل أضعف أحد القطبين الرئيسيين إلى جانب إيران.

إن وجود أربعة مبعوثين للإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط — ومن بينهم تعيين سافيا مبعوثًا إلى العراق الذي تزامن مع وقف الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة وفرض ما سُمّي بـ “خطة بايدن” على كلٍّ من إسرائيل وحماس — يشير إلى أن الوقت قد حان لانتزاع العراق من قبضة إيران. وتعدّ هذه فرصة مناسبة تسعى واشنطن من خلالها إلى دفع النفوذ الإيراني في المنطقة خطوة أخرى إلى الوراء.

الحق يُقال إن الجناح الموالي لإيران في العراق نجا بأعجوبة من تداعيات الحرب بين محور حلفاء إيران — الذي كان يُعرف بمحور "المقاومة والممانعة" واختفى لاحقًا من الخطاب السياسي بعد الانكسار الكبير — وبين محور الولايات المتحدة وإسرائيل.

ومع ذلك، فإن تصفية الحسابات مع هذا الجناح لم تأتِ بعد، ويأتي تعيين المبعوث الأمريكي للعراق في هذا السياق تحديدًا. غير أن مدى نجاح واشنطن في هذا المسعى سيبقى مرهونًا بتوازن القوى والمعادلات السياسية الجديدة التي بدأت تتشكل في المنطقة.

من الوهم الاعتقاد أن إيران فقدت نفوذها في العراق كليًا، إلا أنه من المؤكد أنها لم تعد اللاعب الرئيسي الوحيد في المشهد السياسي العراقي. فالتهديد بسلاح الفوضى عبر ميليشياتها الولائية، والعبث بالأمن، وخلق الغوغاء السياسية، ما زال سلاحًا لا يُستهان به بيدها. وإلى جانب ذلك، هناك تركيا ولاعبون إقليميون آخرون، فضلًا عن النفوذ الأمريكي في العراق، سواء كان سياسيًا أو عسكريًا. ومع ذلك، فإن مرحلة التراجع السياسي لهذه القوى قد بدأت، وإن لم تكن نهايتها بعد.

السيناريو القادم قد يشبه الوضع في لبنان، بالرغم من وجود مبعوثين أمريكيين للبنان — الأول توماس برايد، والثانية مساعدته مورغان أورتاغوس — وإن كان أقل قتامة، حيث قد تُفتعل حالة من الفوضى الأمنية والسياسية لتُستخدم ورقة ضغط في المفاوضات بين طهران وواشنطن.

إن تعيين المبعوث الأمريكي الجديد إلى العراق يأتي في إطار مسعى حثيث لتطويق الجناح السياسي الموالي لإيران، فكلّما تمّ خنق هذه الأطراف المحلية، يشتدّ الخناق على النظام السياسي في إيران.

وأخيرًا، من الخطأ الاعتقاد بأن الفوز بالانتخابات القادمة من قبل الجناح الموالي لأمريكا في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر يعني تلقائيًا القدرة على تشكيل الحكومة، بالرغم من وجود مبعوث أمريكي جديد الذي لم ولن يملك عصا سحرية، إذ أثبتت التجربة العراقية عكس ذلك.

فقد أظهرت قرارات المحكمة الاتحادية العليا — التي هي جزء من الطبقة السياسية الحاكمة وتتناغم مع التوازنات الإقليمية والدولية — منذ إقصاء التيار الصدري عبر بدعة “الثلث المعطّل” بالرغم من حصوله على أغلبية برلمانية، وقبلها إبعاد قائمة إياد علاوي عام 2010 وتنصيب نوري المالكي بتحالف برلماني التفافي على الدستور — أن النظام السياسي في العراق خاضع لإرادة الميليشيات والأحزاب الإسلامية الشيعية المتجمعة في الإطار التنسيقي، والتي تمتلك إيران نفوذًا مباشرًا عليها. وتعتبر الانتخابات البرلمانية المرتقبة هي الآلية الأساسية لتحويل البوصلة رسميًا نحو الولايات المتحدة. وأكثر ما يرعب الجناح الموالي لإيران اليوم هو انحسار هيمنته السياسية بعد هزيمة حلفائه وداعميه في المحاور الإقليمية السابقة.

أما التهليل والترويج لتعيين المبعوث الجديد، فليس سوى محاولة لتقديم العزاء لنفسها من قبل بعض الأطراف التي كانت تتوهم أن إدارة بايدن وإسرائيل ستعملان على إسقاط النظام السياسي في العراق وتنصيبها بدلًا منه.

إن تعيين المبعوث الأمريكي إلى العراق ليس له أي علاقة بأصوله العراقية كما تروّج بعض وسائل الإعلام المحسوبة على المعسكر المناهض للمحور الإيراني، ولا يعني أن سماء العراق ستمطر المنَّ والسلوى كما تحاول بعض الأطراف المحسوبة على “المعارضة” الترويج لذلك — وهي أطراف تتنافس فيما بينها لتكون جسرًا لتمرير المشاريع الأمريكية في العراق، وتسعى إلى تحويل بوصلة العملية السياسية من طهران نحو واشنطن.

وبعبارة أخرى، فإن تعيين مبعوث خاص للعراق لا علاقة له، على سبيل المثال وليس الحصر، بـ إلغاء المدونة الطائفية للأحوال الشخصية التي تُهين قيمة المرأة والرجل معًا، ولا بـ تشريع قانون المساواة، ولا بـ إلغاء قانون العطلات الدينية الرسمية الذي يُكرّس هوية طائفية للدولة في العراق، ولا بـ سنّ قانون للحريات النقابية يضمن حق التنظيم والتظاهر والإضراب، ولا بـ تشريع قانون يحقق الحياة الكريمة للعمال عبر التمتع بثروات البلاد، ولا حتى بـ سنّ قانون يكفل حرية التعبير أو قانون للضمان الاجتماعي يُؤمّن نحو 12 مليون شاب عاطل عن العمل.

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0