العدالة المعلّقة: خمس سنوات على انفجار مرفأ بيروت... والقرار الاتهامي لا يزال رهينة العراقيل

هزّ انفجار مروّع مرفأ بيروت، حاصدًا أرواح أكثر من 220 ضحية، ومخلفًا آلاف الجرحى والدمار الواسع في العاصمة اللبنانية بيروت

 0
العدالة المعلّقة: خمس سنوات على انفجار مرفأ بيروت... والقرار الاتهامي لا يزال رهينة العراقيل

في الرابع من آب/أغسطس 2020، هزّ انفجار مروّع مرفأ بيروت، حاصدًا أرواح أكثر من 220 ضحية، ومخلفًا آلاف الجرحى والدمار الواسع في العاصمة اللبنانية. بعد مضي خمس سنوات على الكارثة، لا تزال العدالة غائبة، والتحقيق معلّق بفعل عراقيل سياسية وقانونية، على الرغم من اقتراب صدور القرار الظني بحسب مصادر قضائية مطّلعة. هذا التقرير يسلّط الضوء على أبرز العوائق التي تحول دون الوصول إلى الحقيقة.

جرح لم يندمل

 رغم مرور خمس سنوات على المأساة، لا تزال بيروت تلملم جراحها. الأهراءات المهشّمة، وشركة كهرباء لبنان المدمّرة، والمحال التجارية المغلقة، تشهد على حجم الكارثة. أما الجرح الأعمق، فهو في قلوب أهالي الضحايا الذين لم يفقدوا فقط أحباءهم، بل أيضًا ثقتهم بالدولة. وكما يقول المثل اللبناني: "الجمرة لا تحرق إلا موضعها".

بارقة أمل في عهد جديد

 مع تولّي الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام مهامها مطلع عام 2025، وتعيين القاضي عادل نصّار وزيرًا للعدل، عاد الأمل بإحياء التحقيق القضائي. وقد استأنف القاضي طارق البيطار مهامه كمحقق عدلي، وسط وعود بعدم التدخل السياسي. غير أن هذه العودة اصطدمت بجدار من التحديات القانونية والإدارية.

عراقيل ثلاثية تُعقّد مسار العدالة:

  1. استنابات دولية بلا رد: التحقيق ينتظر ردودًا على استنابات قضائية أُرسلت إلى دول أوروبية وعربية (لم يُعلن عنها بعد). هذه الاستنابات تمر بمسار بيروقراطي طويل، ما يعوق الحصول على معلومات حيوية قد تعزّز الملف القضائي.

  2. دعاوى ضد القاضي البيطار: أُقيمت نحو 50 دعوى ضد المحقق العدلي، لم يُبتّ إلا في 20 منها، أبرزها دعوى "اغتصاب السلطة" من القاضي غسان عويدات، التي تُهدد بتعليق عمل المجلس العدلي وتعطيل القرار الظني. مصدر قضائي حذّر من تحوّل هذه الدعاوى إلى "سيفٍ مسلط" على التحقيق، ما يُبقي الملف معلقًا.

  3. مطالعة النيابة العامة: بعد إنجاز التحقيق، يُفترض أن تُقدّم النيابة العامة التمييزية مطالعتها القانونية. القاضي بيطار لم يحسم بعد ما إذا كان سينتظر بتّ الدعاوى أو الرد على الاستنابات قبل تحويل الملف للمجلس العدلي.

التحقيق... سنة واحدة فقط من خمس

 رغم مرور خمس سنوات، لم يُنجز من التحقيق الجدي سوى عام واحد فقط، فيما الثلاث سنوات الماضية شهدت تعطيلًا متعمدًا، ما أبطأ مسار المحاسبة. البيطار، من جهته، لم يتخذ أي تدابير بحق المتهمين بعد، مفضلًا استكمال الملف بالكامل ضمانًا للمساواة القضائية.

تصريحات وزير العدل

 الوزير عادل نصّار أوضح أن إصدار القرار الظني يجب أن يكون متكاملًا، بعيدًا عن ضغط الزمن. وأكد في مقابلة صحفية التزامه بتذليل العراقيل، وتعيين القضاة، وضمان استقلال السلطة القضائية. كما كشف عن تواصل مع الجانب الفرنسي لتعزيز التعاون، في ظل وجود ضحايا فرنسيين في الانفجار.

شحنة الموت... وسفن الأشباح

 التحقيقات كشفت أن سفينة الشحن "روسوس"، التي حملت 2,750 طنًا من نيترات الأمونيوم، كانت مملوكة فعليًا لشبكة شركات غامضة يقف خلفها رجال أعمال من جنسيات متعددة. وكشفت تقارير OCCRP أن الوسيط كان شركة Savaro Ltd، ذات الملكية المجهولة، التي تبيّن لاحقًا أن مديرها أوكراني الجنسية.

كما أظهرت الوثائق أن المصنع الموزمبيقي FEM الذي طلب الشحنة، مملوك بنسبة 95% لعائلة برتغالية ذات صلات بتحقيقات دولية حول تجارة الأسلحة، ولم تسعَ الشركة لاسترداد شحنتها بعد أن ضاعت، ما يزيد الغموض حول النية الحقيقية من استيراد النيترات.

المسؤولية والمحاسبة

 أشار الوزير نصّار إلى أن انفجارًا بهذا الحجم لا يمكن أن يمر من دون محاسبة. "إذا لم تُحدَّد المسؤوليات، فذلك يعني أن الدولة تخلّت عن دورها. لا يمكن لدولة أن تدّعي امتلاك مؤسسات إن عجزت عن كشف الحقيقة لمواطنيها"، على حدّ تعبيره.

 بين الحقيقة والخذلان

 خمس سنوات مرّت، ولا تزال جريمة المرفأ عالقة في دوامة السياسة والقانون. لكنّ الحقيقة لا تموت، وأهالي الضحايا لن ينسوا. وحدها العدالة، إن تحققت، ستعيد بعضًا من هيبة الدولة، وتحفظ كرامة الوطن المنكوب. فهل يكون عام 2025 نقطة التحوّل؟ أم تُطوى القضية في أدراج النسيان؟

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0