مسرحية "صاروخ العابد": خدعة فضائية لتلميع نظام صدام

يسلّط هذا المقال الضوء على واحدة من أكثر الأكاذيب التي صدّقها الرأي العام المحلي والدولي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي

 0
مسرحية "صاروخ العابد": خدعة فضائية لتلميع نظام صدام

تحقيق/ أسعد عبد الله عبد علي

في خطوة تهدف إلى تفكيك الأساطير التي روّجها نظام صدام حسين، يسلّط هذا المقال الضوء على واحدة من أكثر الأكاذيب التي صدّقها الرأي العام المحلي والدولي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وهي خرافة "صاروخ العابد" الذي زُعم أنه أول صاروخ عربي يدخل الفضاء.

إطلاق صاروخ أم إخراج تلفزيوني؟

في 5 كانون الأول/ديسمبر 1989، أعلنت بغداد أنها نجحت في إطلاق صاروخ ثلاثي المراحل يحمل اسم "العابد"، قادر – وفق الرواية الرسمية – على إيصال أقمار صناعية إلى المدار. لكن التحقيقات والوثائق التي ظهرت لاحقًا، تؤكد أن ما جرى لم يكن سوى خدعة إعلامية ضخمة، وأن الصاروخ لم يكن مؤهلاً بأي شكل للوصول إلى الفضاء.

التلفزيون العراقي اكتفى حينها ببث مقطع مصور مدته سبع ثوانٍ فقط، يُظهر لحظة الإقلاع من "قاعدة الأنبار الفضائية"، قبل أن يتوقف المشهد. لم تُعرض أي لقطات لاحقة، ولم يتبع المصور الصاروخ كما هو معتاد في تجارب الإطلاق الحقيقية، ما أثار علامات استفهام حول مصير التجربة بعد الثانية السابعة.

صاروخ مفكك... ومصنوع من وهم

تفيد بعض التقارير بأن "العابد" لم يكن إلا دمجًا لعدة صواريخ سكود سوفيتية، تم تعديلها على يد خبراء أجانب أبرزهم الكندي جيرالد بول، الذي يُعتقد أن الموساد اغتاله عام 1990. ورغم ذلك، لا توجد أي بيانات دولية تؤكد وصول صاروخ عراقي إلى المدار، ما يجعل من التجربة مجرد عرض دعائي لا أكثر.

أهداف سياسية لا علمية

لم يكن هدف نظام صدام من إعلان إطلاق "العابد" علميًا، بل كان مدفوعًا بأجندة سياسية ودعائية، يمكن تلخيصها بالآتي:

  • تكريس صورة القائد المعجزة: سعى صدام إلى ترسيخ نفسه في الأذهان كزعيم قادر على تحقيق إنجازات تقنية جبارة، بهدف شدّ اللحمة الداخلية وبث روح الفخر الوطني.

  • استعراض ردعي بعد الحرب: في أعقاب الحرب العراقية-الإيرانية، أراد النظام إرسال رسالة ردع إلى خصومه الإقليميين والدوليين، مفادها أن العراق يمتلك قدرات تكنولوجية متقدمة.

  • التغطية على برامج التسلح السرية: لعب الحديث عن "غزو الفضاء" دورًا في التغطية على برامج أكثر خطورة، من ضمنها تطوير أسلحة كيميائية وبيولوجية.

  • استدراج الدعم الخارجي: أراد صدام إقناع بعض الدول والمؤسسات بأنه يطوّر برنامجًا فضائيًا سلميًا، للحصول على تقنيات يمكن توظيفها في التسليح لاحقًا.

  • هوس الزعامة العربية: استغل النظام الدعاية حول "صاروخ العابد" لتسويق صدام بصفته "قائد المشروع العربي للفضاء"، مستغلاً عواطف الشعوب العربية.

الحقيقة بعد السقوط

بعد سقوط نظام صدام عام 2003، كشفت الوقائع أن مشروع "العابد" لم يتعدَّ كونه مخططًا دعائيًا هزيلًا، وأن العراق في نهاية الثمانينيات لم يكن يملك البنية التحتية أو المعرفة التكنولوجية اللازمة لبناء صاروخ فضائي حقيقي.

بل إن الحديث المتضارب عن كون الصاروخ إما "عابر قارات" أو "حاملًا لأقمار صناعية" يكشف مقدار التضليل والارتباك الذي طبع الرواية الرسمية وقتها، ما يعزز فرضية أن كل ما حدث كان مسرحية من تأليف وإخراج صدام حسين.

في الختام

تكشف قصة "صاروخ العابد" كيف أن الأنظمة الشمولية قد تستخدم الكذب العلمي والدعائي كأداة لتثبيت سلطتها، والتلاعب بمشاعر الناس. وما زال من المهم اليوم، وسط زخم المعلومات المتضاربة، تحقيق الوعي التاريخي وكشف زيف الدعاية الرسمية التي خنقت الحقيقة لعقود.

#صاروخ_العابد

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 1
رائع رائع 0