شيعة العراق: من التهميش إلى الفوضى... ومظلومية لم تكتمل

دخل المسلمون منعطفًا سياسيًا حادًا تحوّل سريعًا إلى انقسام تاريخي

 0
شيعة العراق: من التهميش إلى الفوضى... ومظلومية لم تكتمل

يوسف السعدي

منذ أن أُغلقت صفحة النبوة برحيل النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، دخل المسلمون منعطفًا سياسيًا حادًا تحوّل سريعًا إلى انقسام تاريخي. لم يكن الخلاف مجرد صراع على آلية الخلافة، بل بداية لمسار طويل من التهميش السياسي والاجتماعي والديني، كان الشيعة أبرز ضحاياه.

شكّلت حادثة "السقيفة" نقطة تحوّل أساسية تمخّض عنها تغييب دور البيت النبوي، وخصوصًا الإمام علي بن أبي طالب، الذي كان كثير من المسلمين – وخصوصًا من أهل البيت – يرون أحقيته بالخلافة. ومنذ ذلك الحين، وجد الشيعة أنفسهم في موقع "المعارضة"، وهي صفة لازمتهم في معظم محطات التاريخ الإسلامي.

تواصل هذا التهميش عبر قرون. ففي ظل الحكمين العباسي والعثماني، فُرض على الشيعة واقع من الإقصاء والعزلة المذهبية، حيث مُنعت شعائرهم، وحُوصرت مرجعياتهم، وتعرضوا لرقابة دائمة بوصفهم "عنصرًا مشكوكًا في ولائه". في الحقبة العثمانية، لم يُعترف بالشيعة كمكوّن مستقل، بل عوملوا كتهديد ديني وأمني، فيما أُجبروا على ممارسة شعائرهم ضمن هامش ضيق.

ومع تأسيس الدولة العراقية الحديثة في ظل الاحتلال البريطاني، لم يُمنح الشيعة تمثيلًا متناسبًا مع حجمهم السكاني. فالنخب السنية التي تشكلت تحت الرعاية البريطانية، ورثت نظرة شكوكية تجاه الشيعة، وكرّست حرمانهم من مواقع القرار، بذريعة "الولاء لإيران"، وهي تهمة سياسية أكثر منها واقعية، لكنها كانت كافية لإبعادهم عن مؤسسات الدولة، خصوصًا الجيش والسلك الدبلوماسي والإدارة.

رغم محاولاتهم الحثيثة في بناء دولة جامعة، بقي الشيعة مهمّشين سياسيًا، فيما قُمعت انتفاضاتهم، مثل ثورة العشرين، وقُيّدت الحوزة العلمية في النجف إداريًا واقتصاديًا، كمحاولة لتقليص نفوذها المجتمعي.

بلغ التهميش ذروته في عهد صدام حسين، حين تحوّل إلى قمع دموي شامل. أُعدم المئات من علماء الدين، وجُرّفت قرى الجنوب، وجُفّفت الأهوار، وهُجّرت آلاف العوائل تحت تهمة "التبعية"، في واحدة من أفظع جرائم التطهير الطائفي الممنهج. وجاءت انتفاضة 1991 لتكشف حجم الغضب المكبوت، لكنها قوبلت بمجزرة أودت بحياة أكثر من 100 ألف مدني، وسط صمت عربي ودولي لافت.

ومع سقوط النظام في 2003، تولّى الشيعة زمام السلطة للمرة الأولى، في انتقال تاريخي من موقع الضحية إلى موقع القرار. لكن لم تتحقق العدالة المنتظرة، بل انتقلوا من التهميش إلى فوضى السلطة، نتيجة ضعف الإدارة، وتفشي الفساد، وتصارع النخب السياسية، فضلًا عن التدخلات الإقليمية والدولية.

ورغم التمثيل السياسي الواسع، لا تزال المحافظات الشيعية تعاني من نقص في الخدمات، وتراجع التنمية، وارتفاع نسب البطالة. فيما تستمر بعض القوى الداخلية والخارجية في تسويق صورة نمطية تربط الشيعة بـ"الميليشيات"، لتقويض مشروعهم الوطني.

إن مظلومية الشيعة في العراق ليست مجرد سردية طائفية، بل حقيقة سياسية واجتماعية ممتدة، تتطلب الاعتراف والتصحيح، لا التجاهل والإنكار. فلا استقرار للعراق ما لم يشعر الشيعي، كما السني والكردي، بأن هذا الوطن له، لا عليه.

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 0