بين الأمس واليوم-هيثم العوادي
عين نيوز

غريبٌ واقعي وغريبةٌ هي الأحداث التي جعلت لحياتنا مسارات مختلفة كان يمكن أن نتجنبها. بعد قتل الرئيس والفتنة التي أعقبتها، وجدت نفسي قريبًا إلى المرشَّح الجديد، حتى إني لم أكن أعرف شخصيتي في هذا الزمن.
أقبَلوا عليه وهم يعتصمون به كما يعتصم الناس بربوة من السيل. كلهم وبالإجماع أرادوه أن يكون بالصدارة. شَرَطَ عليهم شرطًا واحدًا:
-لا أريد سوى العدل، الغني عندي كالفقير، والكبير كالصغير، والعبد كالأمير، لا أفرِّق بين الجميع بالعطاء.
امتعض البعض وكتموا الغيظ في نفوسهم، وتحدثوا مع بعضهم بحديث الجاهلية:
-هل يساوي بيني وبين عبدي هذا؟.
صديقي الحاكم الجديد كان بعيدًا عن الدنيا، متعلقًا بشآبيب الآخرة، وصرَّح مرات عديدة بذلك، كان عدوه بلا دين، و يغدر ويفجر، شُنَّت عليه حملة إعلامية شرسة، وتسقيط لم يسبق له مثيل. كبارُ القومِ مصدرُها، والدهاة أدواتُها، والهمج الرعاع الهشيمُ الذي ينقلها.. حاولوا معه بشتى الطرق كي يلين ويحيد عن طريق الحق، إلا أنه بقي ثابتًا كالطود الشامخ. حارب فسادهم؛ فحاربوه، أرادوا كسر إرادته وكفَّروه، كلما زخرفوا له الدنيا وألبسوها حلَّة يسيل لها لعاب الآخرين، قال:- يادنيا غري غيري.
قلت له ذات مرة:
-لماذا لا تعطيهم ..فبيت المال بيدك؟
-العطاء يكون بالتساوي ، هكذا علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله).
-اِكسبهم إلى جانبك وقَوِّ شوكتك.
- صحيح أني سأكسبهم!، لكني سأفقد ديني.
-إذن كيف تتقي شرهم؟ أخاف أن يقتلوك.
-سأعاملهم بالحسنى وأعفو عنهم ما داموا مسالمين، أما القتل والموت والله فإني أنتظر ذلك الوعد منذ مدة طويلة.
خرجت من بابه وأنا أودع نظرات التصميم التي تملأ وجهه، وإذا بي أدخل قاعة صغيرة في مسجد، لكنها في زمن مختلف. وجدت رجلًا يعتمر العمامة ذاتها على رأسه، فعلمت أنه حاكم الدولة في هذا الزمان، وعلمت أنه يمر بالظروف نفسها التي مَرَّ بها ذلك الرئيس في سالف الزمان. يريدون منه ترك القضية والمساومة عليها، لكنَّ موقفه واحد، ولديه أسباب منطقية. قالوا له:
-سنعيدك ذلك الشرطي الذي يهابه الجميع، لماذا تتكلم بطريقة جدك؟ حين قالوا له إنها مجرد كلمة قلها وخلِّصنا، نحن نقول لك إنها مجرد قضية اتركها وخلِّصنا، سوف تستعيد كل ما خسرته، سيُحبُّك أبناء شعبك، ستكون بطلًا قوميًّا يعيد أمجاد قوميته،وأنت قادر على أن تفعل ذلك، ولن يعارضك أحد.
قال:
-سأترك كل القضايا إلا هذه القضية، لدي مبدأ تعلمته: إن من لم يهتم بشؤون المسلمين ليس بمسلم، وإنَّ الحق واضح وبيِّن، والباطل كذلك، وهذا الاختبار الذي نحن به اليوم يوجب علينا التحديد والاختيار بدقة.
سلَّمت عليه وجلست إزاءه وقلت:
-لماذا أنت متمسك بقضية خاسرة .. تركها الجميع حتى أصحابها.?
-سؤال جيد لو قيل لك اترك الصلاة لأن الجميع تركها وهي لانفع منها، هل ستقبل؟
-بالطبع لا.
-إذن كيف يمكننا أن نرى الظلم ولا نغيث المظلوم، ثم إنَّ جُلَّ أصحاب القضية متمسكون بها. - أنت وكلُّ الدولة التي تحكمها لا تستطيعون محاربة هذه القوى العظمى.
-على قولك هذا فإننا يجب أن نترك الحق ونتبع الباطل لأن عدده وعدته أكثر منا، وننسى
{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ }.
-إعلامهم شرس وأدواتهم قذرة، ما السبيل لمواجهتهم. - لدينا قوة نستمدها من إيماننا بأنَّ وعد الله سينفَّذ و( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) هذا هو الوعد الصادق وإنَّ غدًا لِناظره قريب وإنَّ مع العسر يسرًا.
خرجتُ من عنده وأنا أرى شَرَارَ الحقّ يتطاير من بين عينيه وثباتًا لا يضاهيه ثبات، وإيمانًا منقطع النظير. أيقنت أننا ننحدر من سلالة حفظت لنا الدين غضًّا طريًّا، وكأننا نعيش أيام الرسول (صلى الله عليه وآله)، وحريٌّ بنا أن نفخر بهم ونساندهم ولا عزاء للجبناء.
ما هو رد فعلك؟






