روايات من رحم الحرب: أدب غزة بين ظل الموت وأمل الحياة

"ظل الموت".. رواية تجيب عن سؤال لا يُسأل إلا تحت القصف

 0
روايات من رحم الحرب: أدب غزة بين ظل الموت وأمل الحياة

في غزة، تُكتب الروايات بالدمع والدم، وتولد الشخصيات من بين ركام البيوت، وتصبح الكلمات قوارب نجاة في بحر من الجوع والموت. ومن بين دخان الحرب وصرخات الأطفال، برز جيل من الكتّاب الشبان الذين لم يحملوا السلاح، بل حملوا أقلامهم، ليخطّوا بها وجعهم ويوثّقوا تفاصيل نكبة تعاد بحجم أكبر وبلقطات أوضح.


ظل الموت.. الرواية التي تمشي على حافة القبر

"كيف يكون للموت ظل؟ وهل يموت الإنسان مرة واحدة؟"، بهذه التساؤلات الفلسفية التي تحمل بين طياتها وجع التجربة، يبدأ الروائي الشاب أمير العجلة روايته "ظل الموت"، التي جاءت كصرخة أدبية من قلب جحيم الحرب التي اندلعت عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

يرى العجلة أن الموت في غزة له ظلّ، لكنه ليس مجازًا هذه المرة، بل حقيقة تتجسد في كل نزوح، وكل طابور للغذاء، وكل صرخة قهر تحت طائرات الموت. يقول: "نموت مع كل دمعة طفل، وكل عجز كهل، ومع كل صرخة ثكلى.. ثم يأتينا الموت الأكبر ويقضي على ما تبقى فينا".

العجلة، الذي اضطر إلى بدء حياته الزوجية في خيمة بعد تدمير منزله في حي الشجاعية، يصف الواقع قائلًا: "الخيام مقابر الأحياء الذين لم تقتلهم الحرب". في روايته، كتب عن وجع الطوابير، وخذلان العالم، ودمعة الطفل التي "تحرق كوكبًا بأسره"، كما قال.

ورغم أن "ظل الموت" ليست عمله الأدبي الأول، فإنها الأكثر وجعًا وواقعية، تضاف إلى روايتيه السابقتين: "إلا أن يسجن أو عذاب"، عن الأسرى الفلسطينيين، و**"مرفوض بالفطرة"**، عن الشباب الغزي وتحدياتهم اليومية.


"أثير غزة".. البطلة التي نهضت من تحت الأنقاض

أما الكاتبة الشابة أمل محمد أبو سيف، فاختارت أن تحوّل تجربتها الشخصية إلى رواية عنوانها "أثير غزة"، وتقول إنها كتبتها "احتجاجًا صامتًا على واقع لا يُحتمل". الرواية توثق من خلال بطلتها "أثير" ألم النساء في غزة، بين النزوح، والفقد، والخوف، والخذلان.

"أثير" ليست فقط شخصية خيالية، بل تجسيد لواقع مئات الآلاف من النساء في القطاع المحاصر. قُصفت منازلهن، فُقدت أسرهن، وعشن تجربة الهروب من موت مؤكد إلى موت محتمل. تقول أبو سيف: "روايتي ولدت من قلب مدينة تُسرق أحلامها كل يوم، لكننا لا زلنا نُحسن التمسك بالأمل".

في الرواية، تبرز شخصية "الخالة آمنة"، التي تمثل الصمود الفلسطيني في وجه محاولات التهجير. هي شخصية مرسومة بتجاعيد وجهها خارطة وطن لا يزال يحلم بالتحرر، ويصرّ على التشبث بالأرض رغم الكارثة.


يسري الغول.. يوميات الجوع والموت في الشمال

في عمله الأدبي الأخير "نزوح نحو الشمال: سيرة الجوع والوجع"، يوثق الروائي يسري الغول ما يشبه القيامة في شمال غزة، حيث لم يغادر، بل اختار أن يكون شاهدًا على أبشع الجرائم الإنسانية التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية.

الغول كتب يومياته كأنها صلاة أخيرة. على الغلاف، يوجّه نداءً للقارئ: "اذهب وقبّل أبناءك كما لو أنها المرة الأخيرة، ثم تعال معي متوضئًا لنتلو صلاتنا في هذا اليباب العظيم".

يقول الغول: "الكتابة أثناء الحرب هي القشة التي نحاول أن نتمسك بها، لا لننجو بأجسادنا، بل بأفكارنا وكرامتنا". وفي كلماته، لا حياد، بل صرخة ضد عالم أعمى، لا يرى ولا يسمع، وضد قبح متواطئ تلطّخ بالصمت.

الغول، الحائز على جوائز أدبية محلية ودولية، لا يرى الكتابة ترفًا، بل "حربًا من نوع آخر"، ويصف مشاهد الحرب العبثية كأنها مسرحية سوداء: "شاب يذهب إلى صالون الحلاقة ليتجهز لعرسه، فيُقصف الصالون ويموت الجميع..".


أدب المقاومة.. الكلمة لا تموت

ما يجمع بين هؤلاء الكتّاب، هو أنهم لا يكتبون عن غزة فقط، بل يكتبون من داخلها، وتحت نيرانها، ووسط جراحها. رواياتهم ليست خيالًا محضًا، بل تقارير حيّة عن واقع لا تُنقله نشرات الأخبار.

في ظل هذه الحرب، لا أحد يسأل "ما أهمية الأدب؟"، لأنه صار ضرورة. في غزة، لم يعد الكاتب يختار موضوعه، بل صار الموضوع يفرض نفسه بصوت القذائف، وصورة الركام، وصمت العالم. وهكذا، يصبح أدب الحرب الفلسطيني مرآة للإنسانية، وسجلًا لتاريخ يُكتب بالنار، ويُقرأ بالدموع.


ويبقى بين دفتي رواية، وصفحة يومية، وصرخة على غلاف كتاب، يكمن صوت غزة.. صوت لا يُقصف، لا يُهدم، لا يُنزح. الأدب هنا ليس ترفًا، بل شاهد حيّ على نكبة مستمرة، ووسيلة لإبقاء الذاكرة حيّة، مهما حاول العالم طمسها.

ما هو رد فعلك؟

أعجبني أعجبني 0
لم يعجبني لم يعجبني 0
أحببته أحببته 0
مضحك مضحك 0
غاضب غاضب 0
حزين حزين 0
رائع رائع 1