عندما تصبح الثقة بالنفس تهمة التكبر
أخلاق المجتمع انعكاس لأخلاق السلطة

بقلم: حسام عبد الحسين
وفق قاعدة: «أخلاق المجتمع انعكاس لأخلاق السلطة»، نجد في المجتمع العراقي وبعض المجتمعات العربية أن الثقة بالنفس تُقابل أحيانًا بتهمة التكبر والغرور. هذا الخلط يحوّل إنجازات الفرد إلى عقدة ذنب، ويجعل تميّزه أو اكتفاؤه بنفسه جريمة في حق الجماعة. فهل كل من يقدّر كفاءته متكبر؟
المشكلة تنطلق من جهل مركب بين سلبية التدخل في شخصية الغير وبين الخلط بين التكبر والثقة بالنفس. هذا الجهل تؤسسه النخب الرأسمالية الحاكمة عبر ثلاث طرق رئيسية:
-
تزييف الوعي: بإقناع البسطاء بأن تقدير الذات خطيئة ضد الجماعة، وتشويه فضائلهم النفسية لصالح النظام الاقتصادي.
-
إنتاج التبعية الثقافية: تكريس فكرة أن تواضع البسطاء فضيلة، بينما ثقة الأثرياء أو أصحاب السلطة حق طبيعي. مثال: الموظف الذي يطالب بحقوقه يُوصم بالـ«متكبر»، بينما صاحب العمل «واثق بنفسه».
-
تحويل الثقة إلى رأس مال رمزي: تمنحه المدرسة أو الأسرة لخلق مستويات عليا، بينما يُوصم ابن العامل بالغرور إذا طمح للمنافسة.
النخب الرأسمالية تخصص موازنات مالية للإعلام والفن والدراسات الأكاديمية لتحقيق ذلك، عبر تمجيد تواضع الفقراء وتقديس الخنوع باسم «الرضا».
لماذا تخاف النخب من الثقة بالنفس؟
لأنها وعي وتمرد على الطبقة التي تعتقد زورًا أنها «أعلى». حين يدرك الإنسان أن مهاراته تخلق فائض قيمة، يُستلب هذا لصالح البرجوازية، فلا يبقى له سوى فتات الأجر، ليطرح السؤال: لماذا ينهب جهدي؟
من ناحية اجتماعية عملية، تُطلق تهمة التكبر على الثقة بالنفس نتيجة:
-
ثقافة الخواء: أمثال عبارة «لا تظهر ما عندك»، التي تُربي الأجيال على إخفاء تميزهم خوفًا من الحسد.
-
الخلط بين التواضع والتذلل: التواضع الحقيقي احترام الآخرين دون إنقاص الذات، لكن البعض يربط الإنجاز بالتذلل.
-
عقدة النقص الجماعي: شعور المحيطين بالنقص يحوّل ثقتك بنفسك إلى تهديد لهم، فيُختصر ذلك في تهمة التكبر.
الفرق بين الثقة بالنفس والتكبر
-
الثقة بالنفس: معرفة القدرات الحقيقية، والاستقلالية، دون احتقار الآخرين.
-
التكبر: التعامل مع الآخرين وكأنك أفضل منهم بلا سبب موضوعي، مزروعًا بالنفس من قبل السلطة والأسرة والمدرسة والإعلام والفن.
الأخلاق السائدة مثل تمجيد تواضع الفقراء ليست قيمًا مجردة، بل بنية فوقية خلقتها البرجوازية لتبرير التفاوت الطبقي.
كيف يمكن تغيير النمط؟
يتطلب نظامًا سياسيًا يرعى الإنسان أولًا، ثم الأسرة والمجتمع المدني والتعليم لبناء ثقة صحية وتواضع إنساني، وطرد «التواضع المتذلل» و«مرض التكبر المتخلف».
التجارب العربية الناجحة:
-
تونس: مبادرة «أنا أشارك» حولت المدارس إلى حاضنات للثقة بالنفس دون إنتاج عقدة التفوق.
-
لبنان: حملة «شو مهارتك؟» فككت وهم أن إظهار التميز تكبر، وفتحت شرارة وعي.
لكن هذه التجارب وحدها لا تقوض النظام الرأسمالي المنتِج للهيمنة، فتحرير التعليم والإعلام يجب أن يقترن بـتحرير علاقات الإنتاج.
تشويه الثقة بالنفس ليس تراثًا يُحفظ، بل سلاح فتاك صمّمته الأنظمة الحاكمة لتحويل طاقاتنا إلى رماد. التغيير يبدأ بوعي فردي وجماعي، ورفض وصمة «التكبر» و«ثقافة الخواء»، مع إعادة توجيه التعليم والإعلام نحو بناء الذات والحرية، وتحرير المجتمع من الهيمنة الرأسمالية ثقافيًا وماديًا.
السؤال الأهم: هل ننتظر النظام السياسي ليغيّرنا، أم نكون نحن من يخلق نظامًا جديدًا تُصان فيه كرامة الإنسان وثقته بنفسه؟
ما هو رد فعلك؟






