إعادة برمجة العقول... التهديد غير المرئي للأمن
لم تعد التهديدات الأمنية تنحصر في السلاح والجغرافيا، بل أصبحت العقول ساحة الحرب الأولى وخط الدفاع الأخير

اللواء الدكتور سعد معن الموسوي
عقولنا... ساحات الحرب الجديدة
في زمنٍ تتسارع فيه أدوات التأثير وتتبدل فيه جبهات المواجهة، لم تعد التهديدات الأمنية تنحصر في السلاح والجغرافيا، بل أصبحت العقول ساحة الحرب الأولى وخط الدفاع الأخير.
السطحيون... تحذير ناعم من اختراق صامت
كتاب "السطحيون: ما يفعله الإنترنت بأدمغتنا" للمفكر نيكولاس كار ليس مجرد طرح معرفي، بل تحذير عميق من عملية برمجة ناعمة تتم داخل عقول الأفراد يوميًا عبر الشاشات والأجهزة دون أن يشعروا بها.
يُوضح "كار" أن الدماغ يتشكل حسب ما نمارسه باستمرار، ومع هيمنة النمط الرقمي المتسارع والمجزأ، تصبح عقولنا عاجزة عن التركيز والتأمل والتفكير المركب. وهذا لا يشكل تحديًا معرفيًا فقط، بل تهديدًا أمنيًا صامتًا، لأن العقل السطحي:
-
قابل للاختراق
-
سهل الانقياد
-
لا يملك أدوات التحقق
-
يفتقر إلى القدرة على الربط بين المعلومة وسياقها
الإعلام... من ناقل إلى موجه للوعي
من موقعنا كمتخصصين في علم النفس الإعلامي، ندرك أن الإعلام لم يعد ناقلًا للمعلومة فحسب، بل أصبح:
-
مكونًا للوعي
-
صانعًا للاتجاهات
-
ساحة للتلاعب السلوكي
وهذا ما يجعل المنصات الرقمية اليوم واحدة من أخطر أدوات التأثير الاجتماعي والسياسي، خاصةً حين تغيب الرقابة والوعي.
الاستهلاك السريع للمعلومة... خطر صامت على التفكير
المشكلة لا تكمن في كثرة المعلومات، بل في طريقة استهلاكها. فـ:
-
التعرض المستمر للمنشورات السريعة
-
والمقاطع القصيرة
-
والعبارات الجاهزة
يخلق نمطًا ذهنيًا كسولًا، يكتفي بالتفاعل الفوري، وينفر من التفكير العميق، مما يؤدي إلى:
-
إضعاف الحس النقدي
-
زيادة هشاشة الوعي العام
التحدي الأمني الحقيقي... بناء المناعة الفكرية
هنا يظهر التحدي الأمني الأهم:
كيف نحمي مجتمعاتنا من هذا التآكل البطيء في القدرة على التحليل؟
كيف نبني جهاز مناعة فكري داخل كل فرد؟
ذلك الجهاز الذي:
-
يمنع الانقياد خلف العناوين الجذابة
-
يصد الحملات الموجهة
-
يرفض الروايات المختلقة
الوعي قبل السلاح... الأمن يبدأ من الداخل
نحن بحاجة إلى إدماج علم النفس الإعلامي في السياسات الأمنية، ليس من باب الثقافة، بل من باب الوقاية الوطنية، لأن:
اختراق الوعي أسهل من اختراق الحدود،
وإذا فقد المواطن قدرته على التفكير المستقل،
فلن تنفعه كل أدوات الحماية الخارجية.
ما وراء الكتاب... من التحذير إلى التحليل الجماعي
"السطحيون" ليس كتابًا ضد التكنولوجيا، بل دعوة لفهم أثرها الحقيقي على الإنسان والدولة.
لكن قراءتي للكتاب تتجاوز التحذير إلى التحليل النقدي؛ فالكاتب يسلّط الضوء على ظاهرة حقيقية، لكنه يتعامل معها من منظور معرفي فردي، بينما الواقع يفرض علينا أن نقرأها كخطر مؤسسي جماعي أعمق بكثير.
الصناعة السطحية... مشروع عالمي لتفريغ الوعي
نحن لا نواجه فقط تحولًا في سلوك الأفراد، بل نموًا لصناعة سطحية عالمية:
-
تغذي اللاوعي الجمعي
-
تعيد تشكيل المجتمعات وفق منطق الاستهلاك لا الوعي
-
تنشر المحتوى بسرعة لا بعمق
وهذا ما يجب أن نواجهه ليس فقط بالأبحاث، بل أيضًا بـ سياسات أمنية فكرية تقطع الطريق على أي مشروع خفي يستهدف:
-
تفريغ الإنسان من إنسانيته
-
وتحويله إلى متلقٍ منفعل بلا هوية ولا وعي
ما هو رد فعلك؟






