لماذا يغيب الأدب السعودي عن الجوائز العالمية؟
رغم الزخم السردي والنمو الملحوظ في الإنتاج الروائي بالمملكة، لا يزال حضور الأدب السعودي في منصات الجوائز الأدبية العالمية محدودًا، لا سيما في الفضاء ا

بقلم: حسن رحماني
حضور خجول في المشهد العالمي
لم ينجح الأدب السعودي حتى الآن في فرض وجوده الواسع على الجوائز العالمية البارزة، باستثناء بعض الإنجازات الفردية. فازت ثلاث روايات سعودية بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية)، وهي: "ترمي بشرر" لعبده خال (2010)، "طوق الحمام" لرجاء عالم (2011، مناصفة مع المغربي محمد الأشعري)، و"موت صغير" لمحمد حسن علوان (2017). كما فازت الكاتبة شيماء الشريف بجائزة الأدب العربي المترجم إلى الإسبانية عن روايتها "أنصاف مجانين".
أما في قوائم الترشيح الطويلة والقصيرة، فقد ظهرت أسماء محدودة مثل: فاطمة عبد الحميد ("الأفق الأعلى")، عبد الله بن بخيت ("شارع العطايف")، أميمة الخميس ("الوارفة")، مقبول العلوي ("فتنة جدة")، بدرية البشر ("غراميات شارع الأعشى")، عبد الله عياف ("حفرة إلى السماء")، وصالح الحمّاد ("عين الحدأة").
وفي المقابل، شهد عام 2024 أعلى معدل في تاريخ النشر الروائي بالسعودية، بصدور 317 رواية، بزيادة بلغت 74% عن العام السابق، بحسب تقرير منصة "أدب ماب" المتخصصة في رصد وتوثيق الإنتاج الأدبي السعودي.
بين السياسة وحداثة التجربة
الروائي عبد الله بن بخيت يرى أن غياب الأدب السعودي عن الجوائز الغربية الكبرى، مثل "نوبل" و"بوكر"، يعود في جانب منه إلى ارتباط بعض الجوائز بسياقات سياسية. ويشير إلى أن بعض الفائزين العرب كتبوا أعمالهم بلغات أجنبية، مما يثير تساؤلات حول معايير منح الجوائز.
ويضيف أن الرواية السعودية لا تزال حديثة العهد، ولم تترسخ بعد في الوجدان العربي، فضلاً عن العالمي. كما انتقد ما أسماه غياب التمييز بين الرواية والقصّة والحكاية لدى بعض القراء والكتّاب المحليين، إضافة إلى هيمنة البعد الأخلاقي والوعظي على بعض الأعمال، ما يُضعف جاذبيتها الفنية.
ويرى بن بخيت أن الترجمة أصبحت مرتبطة لا شعوريًا باللغة الإنجليزية، وكأن الاعتراف الغربي هو الغاية، وليس الوصول الحقيقي للقارئ العالمي.
عوائق داخلية
يعتبر الدكتور عادل خميس، أستاذ النقد الحديث بجامعة الملك عبد العزيز، أن التحدي الأكبر أمام الأدب السعودي يكمن في الانكفاء المحلي، وضعف الترويج العالمي، وغياب استراتيجية وطنية لدعم الأدب كمنتج ثقافي.
ويشير إلى أن بعض الأسماء الأدبية السعودية، مثل غازي القصيبي وعبده خال وتركي الحمد، واجهت حظراً داخلياً في فترات سابقة، ما ساهم في تأخر وصول الأدب السعودي إلى العالم.
ويؤكد أن الترجمة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تكون ضمن خطة وطنية شاملة لدعم الأدب ونقله إلى لغات وثقافات متعددة.
الحاجة إلى مؤسسة ثقافية
الروائي عبد الرحمن سفر، الحاصل على جائزة القلم الذهبي، يرى أن الأدب السعودي يعيش مرحلة ذهبية من حيث الجودة والتنوع. لكنه يؤكد أن المشكلة تكمن في غياب آليات الترويج والترجمة الفعّالة، فضلاً عن غياب برامج تبادل ثقافي تربط الأدب المحلي بالساحة العالمية.
ويشدد على أن العمل الأدبي لا يمكن أن يحقق انتشاراً عالمياً دون تكامل الأدوار بين الكاتب، ودور النشر، والمؤسسات الثقافية، والإعلام. ويطرح سؤالاً جوهرياً: هل يُعقل أن يقوم الكاتب وحده بكل هذه الأدوار من تأليف وترجمة وتسويق؟
تجربة مميزة... لكن بلا ترجمة
الروائية غادة عبود، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة القلم الذهبي، ترى أن الرواية السعودية تتميز بغناها المحلي وخصوصيتها السردية. لكنها تؤكد أن الاهتمام بالزخم السردي غالباً ما يطغى على عناصر الحبكة، وهو ما قد يؤثر على فرص التقدير النقدي العالمي.
وترى عبود أن غياب دور النشر المحلية المهتمة بترجمة الروايات وتوزيعها رقمياً يمثل عائقاً كبيراً أمام الانتشار. فالمسألة لا تتوقف عند الترجمة، بل تتطلب توزيعاً احترافياً وإدراجاً في المنصات الرقمية العالمية.
دور النشر في دائرة المسؤولية
من جانبه، يرى الناشر صالح الحمّاد، صاحب دار "الناشر"، أن الأدب السعودي مؤهل للمنافسة العالمية من حيث الجودة والمضمون. لكنه يشير إلى تحديات بنيوية في سوق النشر المحلي، منها غياب المحرر الأدبي المحترف، واستعجال بعض الكتّاب في النشر دون نضج كافٍ.
ويحذّر الحمّاد من الترجمات السطحية التي قد تسيء للنصوص بدلاً من أن تعرّف بها، مؤكدًا أهمية المبادرات الرسمية مثل برنامج "ترجم" التابع لهيئة الأدب والنشر والترجمة، كخطوة مهمة نحو الوصول للقارئ العالمي.
الأدب السعودي بين الإمكان والتحدي
رغم الإمكانيات الفنية والتجريبية التي باتت تميز الرواية السعودية، إلا أن تحديات كبرى لا تزال تعوق حضورها في الجوائز العالمية. يتفق الكتّاب والنقّاد على أن الترجمة، والترويج، وغياب التخطيط المؤسسي، هي أبرز المعوقات التي يجب تجاوزها.
ويبقى السؤال: هل تتجه المؤسسات الثقافية في المملكة إلى وضع استراتيجية متكاملة تفتح الأبواب للأدب السعودي ليتبوأ مكانته المستحقة على خريطة الأدب العالمي؟
ما هو رد فعلك؟






