فن معاجم الوحي ورسمه بين حديثه وقديمه
رحلة عمل ثقافي ومعرفي
د. نضير الخزرجي
خلال رحلة عمل ثقافي ومعرفي إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد صباح وعصر الثلاثاء 8 شعبان 1434هــ (17/6/2013م)، أثارني حجم المكتبة الخاصة بالجامعة الإسلامية العالمية الملحقة بمسجد الملك فيصل المقام عام 1980م، والتي تعد اليوم أحد أكبر معالم إسلام آباد من حيث الوسعة والهندسة.
حملت المكتبة اسم الدكتور محمد حميد الله، وكان يديرها الأستاذ عارف خان بمساعدة السيدة شميم نيازي. خلال تجوالنا في أروقة المكتبة الكبيرة مع وفد دائرة المعارف الحسينية القادم من لندن، قدمت السيدة شميم نيازي الشروحات اللازمة. وعند توقفنا عند جناح التاريخ المعنون: (تاريخ: مغرب، شام، إسرائيل، لبنان، يوروشلم)، كان من الضروري إبداء الملاحظات حول الأسماء الواردة من حيث الصحة والخطأ، وقد وعدنا مدير المكتبة بعرض الأمر على إدارة الجامعة وإعادة الأمور إلى نصابها ليرتفع اسم فلسطين والقدس في واجهة جناح كتب التاريخ ومراجعها بدل ما هو قائم.
مكتبة الجامعة الإسلامية
ضمت مكتبة الجامعة الإسلامية عشرات الآلاف من المصادر والمراجع باللغات: الأردوية، البشتوية، السرائيكية، العربية، الإنكليزية وغيرها من اللغات الحية. استوقفتني المصادر العربية التي تزين رفوف المكتبة، وذكرتني بفترات حياتي المختلفة:
-
المرحلة الابتدائية: مكتبة مدرسة العزة الإبتدائية في باب طويريج، كربلاء المقدسة، على قلة كتبها، كانت بالنسبة لنا كنزاً عظيماً، بخاصة قصصها.
-
المرحلة اليافعة: مكتبة العباس العامة التابعة للعتبة العباسية المقدسة، العامرة بآلاف الكتب والمصادر في التاريخ والشريعة واللغة، والتي كنت أتهيب فتحها.
-
المكتبة المركزية بمحافظة كربلاء: استعنا بها أيام الامتحانات نصف السنة والنهائية في مرحلتي المتوسطة والإعدادية.
-
مكتبة الزهراء: خمس سنوات قضيتها بين الكتب لصاحبها المرحوم أبو حيدر حسن الگلگاوي، الواقعة في شارع الإمام علي بكربلاء المقدسة، ولولا هجرتي عام 1980م، لطالت سنوات المكوث فيها.
أكثر ما شد انتباهي في مكتبة إسلام آباد كان حجم وعدد المصادر والمراجع العربية في اللغة، التاريخ، التفسير، الفقه، لطلبة جلهم من غير الناطقين بالعربية. ومع علمي، كوني متخرجاً من كلية الشريعة، أن الطالب الجامعي قلما يرجع إلى المراجع الكبيرة إلا لضرورة علمية عند كتابة الأبحاث والدراسات الشهرية والفصلية ورسائل التخرج.
جامعة الكوثر ومكتبتها
على بعد أميال من الجامعة العالمية الإسلامية، قمنا بجولة مماثلة في جامعة الكوثر لمؤسسها العلامة الشيخ محسن علي النجفي، إحدى مؤسسات الإمام الخوئي الخيرية في باكستان، التي افتتحت عام 2001م. تضم الجامعة 150 غرفة كسكن داخلي، وعامرة بمكتبة كبيرة تحتوي على مصادر ومراجع عربية لا تُحصى، واستمعنا إلى شروحات قدمتها الأستاذة شكيلة محمدي.
جديد الفهارس والمعاجم
عادت إلي أجواء الزيارة الباكستانية (12-22 حزيران 2013م) وأنا أتصفح الجزء الثالث من سلسلة مجلدات "الدليل إلى قول الجليل" للمحقق الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، الصادر حديثاً (2025م) عن بيت العلم للنابهين في 839 صفحة من القطع الكبير.
-
الجزء الأول ضم: (الألف والهمزة) من معجم القرآن الكريم في 729 صفحة.
-
الجزء الثاني ضم: (الألف) في 679 صفحة.
-
الجزء الثالث ضم: (الباء والتاء والثاء والجيم).
الدليل يمثل نمطاً متطوراً من فهارس ومعاجم القرآن الكريم، مقسماً إلى تسعة حقول:
-
الشكل
-
الكلمة
-
تفسيرها
-
العدد
-
الآية
-
رقمها
-
السورة
-
رقمها
-
نزولها
وقد شرح الكرباسي كل حقل:
-
الشكل: الحرف أو الكلمة مقطعة الحروف.
-
الكلمة: مجتمعة الحروف كما وردت في القرآن الكريم.
-
تفسيرها: بيان كشفي لمعناها بكلمات قصيرة.
-
العدد: عدد مرات ورود الكلمة في القرآن.
-
الآية: إيرادها وبيان موقع الكلمة باللون الأحمر.
-
رقمها: رقم الآية في السورة.
-
السورة ورقمها: اسم السورة ورقمها في القرآن المتداول.
-
نزولها: تحديد ما إذا كانت السورة مكية أو مدنية.
كما أدرج الكرباسي المفردة مسبوقة بواو المعية وحروف الجر وأنَّ وأخواتها، والأحرف المشبَّهة بالفعل، والأدوات والضمائر في أماكنها، مع ذكر الآيات المتشابهة لتسهيل الرجوع إليها.
حسب الأديب اللبناني عبد الحسن دهيني: المعجم يمثل ثلاثة معاجم للقرآن الكريم: معجم للأسماء والأفعال، آخر للضمائر والأدوات، والثالث لمعاني المفردات.
فن الرسم القرآني
في أي محفل عام للقرآن، يسهل على الداخل الجديد متابعة الجميع إذا عرف رقم الصفحة، بفضل الرسم العثماني، الذي خطه الأستاذ عثمان طه الحلبي (1934م).
الشيخ الكرباسي أرفق بنسخة رسماً متميزاً لكل جزء من "الدليل إلى قول الجليل":
-
الجزء الأول: رسم عثمان طه الحلبي.
-
الجزء الثاني: رسم نور الدين آزاد من بومباي، ملتزماً أن تبدأ أسطر الآيات بحرف الألف من أول القرآن إلى آخره.
-
الجزء الثالث: رسم الحاج عبد الحسين الإصفهاني (1322هــ / 1904م) في العهد القاجاري، مطبوع على الحجر في طهران.
مخطوطة الإصفهاني تميزت بأن:
-
السطر الأول يبدأ بحرف مشابه للسطر الأخير.
-
السطر الثاني يشبه ما قبل الأخير، وهكذا بقية الأسطر.
أمثلة من المخطوطة:
-
سورة الأنعام (الآية 12-20): تبدأ الصفحة بالحرف ألف في الآية 12 وتنتهي بنفس الحرف في الآية 20.
-
سورة صاد (الآية 24-29): يبدأ السطر الأول بالحرف كاف وينتهي بنفس الحرف في آخر الصفحة، مع نمط متكرر للسطر الثاني وما قبل الأخير.
إن "الدليل إلى قول الجليل" هو اسم على مسمى، ولا غنى عنه لمن يتعامل مع النص القرآني من عالم، متعلم، باحث، أو على سبيل النجاة والمعرفة في أي حقل من العلوم العقلية والنقلية.
ما هو رد فعلك؟
أعجبني
0
لم يعجبني
0
أحببته
0
مضحك
0
غاضب
0
حزين
0
رائع
0





