"اطلع يا صفر".. أصوات البيوت العراقية تهزم الأسطورة بالخرافة
شهر صفر في الذاكرة العراقية

عين للأنباء – متابعة خاصة
على وقع التمتمات الغامضة والطرق على الأبواب والجدران، تتجدد في العراق مع نهاية كل شهر صفر طقوس شعبية عتيقة، تتوارثها الأجيال كوسيلة رمزية لـ طرد النحس واستقبال الخير. ورغم تغيّر الأزمنة وتعدد المعتقدات، تبقى هذه الطقوس حاضرة بقوة في وجدان الكثير من العراقيين، خصوصًا في مدن الوسط والجنوب.
طقوس متوارثة عبر الأجيال
في حي شعبي من محافظات جنوب العراق، تقف النساء وهي تردد بصوت مرتفع:
"اطلع يا صفر، اطلع يا صفر"،
بينما يضربن جدران المنزل ويطرقن أبوابه، قبل أن يشعلن النار في مكانس مصنوعة من الخوص، لتتحول إلى رماد، وتقول بعض النسوة:
"اعتدنا على هذا منذ الطفولة.. نحرق المكنسة ونكسر الأواني الفخارية كي يخرج الشرور مع دخانها، ويغادر الحزن الذي يحمله هذا الشهر."
هذه الطقوس لا تقتصر على التمائم والأدعية، بل تشمل كسر الأواني الزجاجية والفخارية أمام البيوت والمتاجر، وحرق المكانس القديمة، في محاولة للتخلص من ثقل شهر يعتبره الناس شهر "الكدر والمصائب".
شهر الحزن
يربط العراقيون شهر صفر بذكريات دينية وتاريخية أليمة، أبرزها وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، واستشهاد عدد من أئمة آل البيت (عليهم السلام)، إضافة إلى إحياء أربعينية الإمام الحسين.
"صفر في المخيال الجمعي ارتبط بالموت والفقدان، لذلك تجنّب العراقيون إقامة الأعراس أو المناسبات المفرِحة خلاله. ومع غروب آخر أيامه، تبرز طقوس كسر الأواني وحرق الأدوات القديمة كوسيلة لدرء الشر وجلب الخير."
التفاؤل بقدوم الخير
ومن العادات اللافتة، أن بعض النساء في مدن الجنوب يلجأن إلى شراء قطعة ذهب في آخر أربعاء من صفر، كرمز للتفاؤل بانتهاء موسم الحزن. فيما يرى آخرون أن هذه الطقوس الشعبية تتكامل مع الممارسات الدينية التي يوصي بها علماء الدين، مثل الدعاء، الصدقة، وصلاة ركعتين لدفع البلاء.
بين الأسطورة والتاريخ
يشير مؤرخون إلى أن بعض هذه العادات قد تعود إلى ما يعرف بـ"أصفار مكة"، حيث كانت المدينة المنورة تفرغ من أهلها في هذا الشهر بسبب السفر، ما جعل صفر يُصوَّر في المخيلة كزمن للخوف والوحدة، ليتحول لاحقًا إلى مجموعة طقوس تستهدف درء الشرور واستدعاء الطمأنينة.
بين الماضي والحاضر
رغم الحداثة والتغيرات الاجتماعية، ما تزال هذه الطقوس تعيش بقوة في البيوت والأحياء العراقية، باعتبارها إرثًا شعبيًا يتقاطع فيه الدين بالتاريخ، والأسطورة بالخرافة. فهي بالنسبة للبعض تفريغ نفسي من هموم الشهر، ولآخرين مجرد عادة تراثية لا يمكن التخلي عنها.
وكما تقول أحدى النساء:
"حتى لو تغير الزمن، سنظل نردد: اطلع يا صفر، وادخل يا خير."
#شهر_صفر #العادات_الشعبية #الموروث_العراقي #وكالة_عين_للأنباء
ما هو رد فعلك؟






