من شارع المطار إلى طوفان الأقصى صراع الأصلاء في زمن التحولات الكبرى
لم يكن فجر الثالث من كانون الثاني 2020 مجرد لحظة اغتيال عابرة على طريق مطار بغداد

✍️ رسل جمال
تمهيد: من النيابة إلى الأصالة
لم يكن فجر الثالث من كانون الثاني 2020 مجرد لحظة اغتيال عابرة على طريق مطار بغداد، بل لحظة مفصلية أنهت عهد "حروب الوكالة" وفتحت باب "صراع الأصلاء". كان اغتيال الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس إعلاناً واضحاً بأن الولايات المتحدة لم تعد تكتفي بتوظيف أدواتها من الجماعات المسلحة، بل قررت الدخول المباشر إلى ميدان الصراع، لأن مشروعها بدأ يترنّح، ومصالحها صارت في مهبّ رياح المقاومة.
ما بعد الاغتيال: سقوط الأقنعة وظهور الوجه الأمريكي
شكّل اغتيال قادة النصر لحظة كشف صادمة: واشنطن لا تريد هزيمة داعش، بل كانت تستخدمه كأداة لإعادة رسم خرائط النفوذ. ومع انهيار أدواتها، لم تجد بُدّاً من الدخول مباشرة في الصراع، ليتحول المشهد من "حروب الظل" إلى مواجهة مفتوحة. انتهى زمن الاختباء خلف وكلاء محليين، وبدأ عهد "الحرب المكشوفة".
طوفان الأقصى: عندما قررت إسرائيل محو غزة
جاء السابع من أكتوبر 2023، ليقلب الطاولة. عملية "طوفان الأقصى" أربكت الحسابات، وأعادت غزة إلى قلب المعادلة الدولية، فأطلقت إسرائيل حربًا هدفها المعلن: محو القطاع من الخريطة، واستبداله بمشروع استيطاني سياحي ضخم. غير أن ما خطط له الاحتلال اصطدم بإرادة لا تُقهر، وبمحور مقاومة امتد من لبنان إلى اليمن، ومن العراق إلى إيران.
استمرت الحرب أكثر من عامين، وبدلاً من أن تنهار المقاومة، ولدت من تحت الأنقاض تحالفات جديدة، عبّرت عن نفسها بردود فعل متزامنة، وعمليات نوعية، ورسائل استراتيجية. تكوّن محور متماسك من قوى المقاومة، تلاشت فيه الفوارق المذهبية، وتوحدت الجبهات، لا لأن القتال فرض، بل لأن البوصلة كانت واحدة: فلسطين.
اغتيال نصر الله: الهزة الكبرى التي لم تُسقط الراية
لحظة استشهاد السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، لم تكن مجرد ضربة لقائد، بل زلزالًا أخلاقيًا وإنسانيًا استهدف روح المقاومة. لكن ما حسبه العدو نهاية، تَحوّل إلى دافع لتصعيد أكبر، وترسيخ عقيدة مفادها: أن القادة يُستشهدون، لكن الراية لا تُسقط، والدم لا يُهزم.
الجولاني "المعتدل": ازدواجية الغرب في أوضح صورها
في تناقض فجّ، يُعاد تدوير الإرهابيين. يتحول أبو محمد الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام"، من عدو مطلوب دوليًا إلى "معارضة معتدلة"، تستقبله وسائل الإعلام الغربية كوجه سياسي. هذا التحول السريع يكشف مدى الانفصام في السياسة الأمريكية، التي لا ترى في الإرهاب مشكلة، إنما في موقعه من مشروعها فقط.
إيران: العقدة التي لم تُحل
رغم تطبيع بعض الأنظمة الخليجية ووجود القواعد الأمريكية المنتشرة، تبقى إيران الرقم الصعب. لم تستطع واشنطن تطويعها لا بالحرب الاقتصادية ولا بالعزلة السياسية، ففتحت باب التفاوض النووي. لكن كل الجولات فشلت لأن إيران ترفض التفريط في سيادتها ومشروعها النووي الذي تعتبره "مشروع بقاء". المفاجأة جاءت من الشرق: باكستان تعلن استعدادها للوقوف مع إيران ضد أي عدوان إسرائيلي، وتلوّح بترسانتها النووية... ليصبح الصراع فجأة دينيًا – وجوديًا، بين الإسلام والهيمنة الصهيونية.
الحرب الكبرى: النار التي أشعلتها أمريكا بيد إسرائيل
في ظل انسداد المفاوضات، دفعت واشنطن تل أبيب نحو خيار الحرب، علّها تستثمر التصعيد للضغط على طهران. لكن النتيجة كانت عكسية تمامًا: حرب مفتوحة على جبهات متعددة، تحوّلت إلى كرة نار تخرج عن السيطرة، ووضعت المنطقة أمام سيناريوهات كبرى، منها انخراط إيران المباشر، أو ضرب قواعد أمريكية، أو حتى اندلاع حرب إقليمية شاملة وربما نووية محدودة.
إسرائيل.. من الذعر إلى الهروب عبر البحر!
بينما تزداد قبضة المقاومة إحكامًا، تواجه إسرائيل أسوأ أزماتها: تآكل داخلي، انقسامات سياسية، انهيار ثقة، وسقوط مفهوم "الدولة الحصينة". أُغلِق المجال الجوي، تعطلت الرحلات، وبدأ المستوطنون يفرّون عبر البحر نحو اليونان، في قوارب مطاطية رغم ما دفعوه من آلاف الدولارات.. مشهد يعكس أن النهاية لم تعد احتمالًا، بل مسارًا.
السيناريوهات القادمة: إلى أين تتجه المنطقة؟
-
تهدئة مشروطة: ممكنة فقط بضغط دولي واسع من روسيا والصين والاتحاد الأوروبي.
-
تنازلات إسرائيلية: محاولة للنجاة، لكنها حلول مؤقتة لا تمس جذور الأزمة.
-
إعادة تشكيل النظام الإقليمي: ما بعد الحرب، سيتغير شكل الشرق الأوسط. محور المقاومة سيصعد، بينما تتراجع هيمنة واشنطن لصالح نظام دولي متعدد الأقطاب.
معركة لا تعيد رسم الجغرافيا فقط.. بل التاريخ
ما يجري ليس مجرد حرب بين دول، بل مواجهة بين مشروعين: الأول صهيوني–أمريكي هدفه الهيمنة، والثاني تحرري–إسلامي يدافع عن الكرامة والحق. وقد صار من الواضح أن مشروع الوكلاء قد فشل، ومشروع الأصلاء يعيش ارتباكه الأول.
نحن أمام مفترق طرق تاريخي. فكلّ خطأ بالحسابات قد يعيد تشكيل العالم.
وكلّ موقف سيُكتب، إمّا مع أصحاب الأرض، أو مع تجار الدم.
ما هو رد فعلك؟






